المختـار للفتـوى
في الفقه على مذهب أبي حنيفة
لأبي الفضل عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي
المتوفى سنة 683 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على جزيل نعمائه، أحمده على جليل آلائه، وأشكره على جميل بلائه، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادةً أعدها ليوم لقائه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد رسله، وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأصفيائه، وأحمده على أن جعلني ممن سلك سنن سنته واقتفاه، وورد شريعة شرعه فرواه، حمد من غمرته نعمه وعمته عطاياه.
وبعد: فقد رغب إلى من وجب جوابه على أن أجمع له مختصراً في الفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وأرضاه، مقتصراً فيه على مذهبه، معتمداً فيه على فتواه، فجمعت له هذا المختصر كما طلبه وتوخاه، وسميته: المختار للفتوى لأنه اختاره أكثر الفقهاء وارتضاه.
ولما حفظه جماعة من الفقهاء واشتهر، وشاع ذكره بينهم وانتشر، طلب مني بعض أولاد بني أخي النجباء أن أرمزه رموزاً يعرف بها مذاهب بقية الفقهاء، لتكثر فائدته، وتعم عائدته، فأجبته إلى طلبه، وبادرت إلى تحصيل بغيته بعد أن استعنت بالله وتوكلت عليه واستخرته وفوضت أمري إليه، وجعلت لكل اسم من أسماء الفقهاء حرفا يدل عليه من حروف الهجاء وهي: لأبي يوسف ولمحمد ولهما سم ولزفر وللشافعي والله سبحانه وتعالى أسأل أن يوفقني لإتمامه، ويختم لي بالسعادة عند اختتامه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبي ونعم الوكيل.
كتاب الطهـارة
باب الوضوء
من أراد الصلاة وهو محدث فليتوضأ.
وفرضه: غسل الوجه، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح ربع الرأس، وغسل الرجلين مع الكعبين.
وسنن الوضوء: غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثا قبل إدخالهما في الإناء لمن استيقظ من نومه، وتسمية الله تعالى في ابتدائه، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق ثلاثا ثلاثا، ومسح جميع الرأس والأذنين بماء واحد، وتخليل اللحية والأصابع، وتثليث الغسل.
ويستحب في الوضوء النية والترتيب والتيامن ومسح الرقبة.
فصل:
وينقضه كل ما خرج من السبيلين ومن غير السبيلين إن كان نجسا وسال عن رأس الجرح والقئ ملء الفم، وإن قاء دما أو قيحا نقض وإن لم يملإ الفم، وإذا اختلط الدم بالبصاق إن غلبه نقض، وينقضه النوم مضطجعا، وكذلك المتكئ والمستند والإغماء والجنون، والنوم قائما وراكعاً وساجداً وقاعداً ومس المرأة لا ينقض الوضوء، وكذا مس الذكر والقهقهة في الصلاة تنقض.
فصل:
فرض الغسل: المضمضة والاستنشاق وغسل جميع البدن.
وسننه: أن يغسل يديه وفرجه، ويزيل النجاسة عن بدنه، ثم يتوضأ للصلاة، ثم يفيض الماء على جميع بدنه ثلاثاً. ويوجبه غيبوبة الحشفة في قبل أو دبر على الفاعل والمفعول به، وإنزال المنى على وجه الدفق والشهوة، وانقطاع الحيض والنفاس؛ ومن استيقظ فوجد في ثيابه منياً أو مذياً فعليه الغسل، وغسل الجمعة والعيدين والإحرام سنة، ولا يجوز للمحدث والجنب مس المصحف إلا بغلافه، ولا يجوز للجنب قراءة القرآن، ويجوز له الذكر والتسبيح والدعاء، ولا يدخل المسجد إلا لضرورة، والحائض والنفساء كالجنب.
فصل:
تجوز الطهارة بالماء الطاهر في نفسه المطهره لغيره كالمطر وماء العيون والآبار، وإن تغير بطول المكث، ويجوز بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه كالزعفران والأشنان وماء المد، ولا تجوز بماء غلب عليه غيره فأزال عنه طبع الماء، كالأشربة والخل وماء الورد وتعتبر الغلبة بالأجزاء، والماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة لا يجوز به الوضوء إلا أن يكون عشرة أذرع في عشرة، والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة ولم ير لها أثر جاز الوضوء منه، والأثر طعم أو لون أو ريح، وما كان مائي المولد من الحيوان موته في الماء لا يفسده وكذا ما ليس له نفس سائلة كالذباب والبعوض والبق، وما عداهما يفسد الماء القليل، والماء المستعمل لا يطهر الأحداث، وهو ما أزيل به حدث، أو استعمل في البدن على وجه القربة ويصير مستعملا إذا انفصل عن العضو، وكل إهاب دبغ فقد طهر إلا جلد الآدمي لكرامته، والخنزير لنجاسة عينه، وشعر الميتة وعظمها طاهر، وشعر الإنسان وعظمه طاهر.
فصل:
إذا وقعت في البئر نجاسة فأخرجت ثم نزحت طهرت، وإذا وقع في آبار الفلوات من البعر والروث والأخثاء لا ينجسها ما لم يستكثره الناظر، وخرء الحمام والعصفور لا يفسدها، وإذا مات في البئر فأرة أو عصفورة أو نحوهما نزح منها عشرون دلواً إلى ثلاثين، وفي الحمامة والدجاجة ونحوهما من أربعين إلى ستين، وفي الآدمي والشاة والكلب جميع الماء، وإن انتفخ الحيوان أو تفسخ نزح جميع الماء، ويعتبر في كل بئر دلوها، وإذا لم يمكن إخراج جميع الماء نزح منها مائتا دلو إلى ثلاثمائة.
فصل:
سؤر الآدمي والفرس وما يؤكل لحمه طاهر.
والثاني مكروه وهو سؤر الهرة والدجاجة المخلاة، وسواكن البيوت، وسباع الطير. والثالث نجس وهو سؤر الخنزير والكلب وسباع البهائم والرابع مشكوك فيه، وهو سؤر البغل والحمار، وعند عدم الماء يتوضأ ويتيمم.
باب التيمم
من لم يقدر على استعمال الماء لبعده ميلاً أو لمرض أو برد أو خوف عدو أو عطش أو عدم آلة، يتيمم بما كان من أجزاء الأرض كالتراب والرمل والجص والكحل ولا بد فيه من الطهارة والنية، ويستوي فيه المحدث والجنب والحائض؛ وصفة التيمم أن يضرب بيديه على الصعيد فينفضهما ثم يمسح بهما وجهه، ثم يضربهما كذلك، ويمسح بكل كف ظهر ذراع الأخرى وباطنها مع المرفق والاستعاب شرط، ويجوز قبل الوقت وقبل طلب الماء، ولو صلى بالتيمم ثم وجد الماء لم يعد، وإن وجده في خلال الصلاة توضأ واستقبل، ويصلى بالتيمم الواحد ما شاء من الصلوات كالوضوء؛ ويستحب تأخير الصلاة لمن طمع في الماء، وتجوز الصلاة على الجنازة بالتيمم إذا خاف فوتها لو توضأ، وكذلك صلاة العيد، ولا يجوز للجمعة وإن خاف الفوت، ولا للفرض إذا خاف فوت الوقت، وينقضه نواقض الوضوء والقدرة على الماء واستعماله ولو صلى المسافر بالتيمم ونسي الماء في رحله لم يعد، ويطلب الماء من رفيقه فإن منعه تيمم، ويشتري الماء بثمن المثل إذا كان قادراً عليه، ولا يجب عليه أن يشتريه بأكثر، ولا يجمع بين الوضوء والتيمم، فمن كان به جراحة غسل بدنه إلا موضعها، ولا يتيمم لها.
باب المسح على الخفين
ويجوز لمن وجب عليه الوضوء لا الغسل، ويشترط لبسهما على طهارة كاملة، ويمسح المقيم يوماً وليلةً، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها عقيب الحدث بعد اللبس، ويمسح على ظاهرهما خطوطاً بالأصابع، وفرضه مقدار ثلاثة أصابع من اليد، والسنة أن يبدأ من أصابع الرجل إلى الساق، ولا يجوز على خف فيه خرق يبين منه مقدار ثلاثة أصابع من أصابع الرجل الصغار، وتجمع خروق كل خف على حدته، ويجوز المسح على الجرموق فوق الخف، ويجوز على الجوربين إذا كانا ثخينين أو مجلدين أو منعلين؛ وينقضه ما ينقض الوضوء ونزع الخف ومضى المدة، فإذا مضت المدة نزعهما وغسل رجليه، وخروج القدم إلى ساق الخف نزع، ولو مسح مسافر ثم أقام بعد يوم وليلة نزع، وقبل ذلك يتم يوماً وليلةً، ولو مسح مقيم ثم سافر قبل يوم وليلة تمم مدة المسافر، ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والبرقع والقفازين، ويجوز على الجبائر وإن شدها على غير وضوء فإن سقطت عن برء بطل.
باب الحيض
وهو الدم الذي تصير المرأة به بالغةً، وأقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها، وأكثره عشرة بلياليها، وما نقص عن أقله، وما زاد على أكثره، وما تراه الحامل استحاضة، وهو لا يمنع الصوم ولا الصلاة ولا الوطء، وما تراه المرأة من الألوان في مدة حيضها حيض حتى ترى البياض الخالص والطهر المتخلل في المدة حيض، وهو يسقط عن الحائض الصلاة أصلاً.
ويحرم عليها الصوم فتقضيه، ويحرم وطؤها، ويكفر مستحله، ويستمتع بها ما فوق الإزار، وإن انقطع دمها لأقل من عشرة أيام لم يجز وطؤها حتى تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاة، وإن انقطع لعشرة جاز قبل الغسل، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، ولا حد لأكثره.
فصل:
المستحاضة ومن به سلس البول، وانطلاق البطن، وانفلات الريح، والرعاف الدائم، والجرح الذي لا يرقأ يتوضئون لوقت كل صلاة، ويصلون به ما شاءوا، فإذا خرج الوقت بطل وضوءهم فيتوضئون لصلاة أخرى، والمعذور هو الذي لا يمضي عليه وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتلي به موجود، وإذا زاد الدم على العشرة ولها عادة فالزائد على عادتها استحاضة وإذا بلغت مستحاضةً فحيضتها عشرة من كل شهر والباقي استحاضة.
فصل:
النفاس: الدم الخارج عقيب الولادة، ولا حد لأقله، وأكثره أربعون يوما. وإذا جاوز الدم الأربعين ولها عادة فالزائد عليها استحاضة، فإن لم يكن لها عادة فنفاسها أربعون، والنفاس في التوأمين عقيب الأول، والسقط الذي استبان بعض خلقه ولد.
باب الأنجاس وتطهيرها
النجاسة غليظة وخفيفة، فالمانع من الغليظة أن يزيد على قدر الدرهم مساحةً إن كان مائعاً، ووزناً إن كان كثيفاً، والمانع من الخفيفة أن يبلغ ربع الثوب، وكل ما يخرج من بدن الإنسان وهو موجب للتطهير فنجاسته غليظة، وكذلك الروث والأخثاء، وبول الفأرة، والصغير والصغيرة أكلا أولاً، والمنى نجس يجب غسل رطبه، ويجزئ الفرك في يابسه، وإذا أصاب الخف نجاسة لها جرم كالروث فجف فدلكه بالأرض جاز والرطب وما لا جرم له كالخمر لا يجوز فيه إلا الغسل، والسيف والمرآة يكتفي بمسحهما فيهما، وإذا أصابت الأرض نجاسة فذهب أثرها جازت الصلاة عليها دون التيمم، وبول ما يؤكل لحمه، وبول الفرس، ودم السمك، ولعاب البغل والحمار، وخرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور نجاسته مخففة، وخرء ما يؤكل لحمه من الطيور طاهر إلا الدجاج والبط الأهلي فنجاستهما غليظة، وإذا انتضح عليه البول مثل رءوس الإبر فليس بشيء.
ويجوز إزالة النجاسة بالماء وبكل مائع طاهر كالخل وماء الورد، فإن كان لها عين مرئية فطهارتها زوالها، ولا يضر بقاء أثر يشق زواله، وما ليس بمرئية فطهارتها أن يغسله حتى يغلب على ظنه طهارته ويقدر بالثلاث أو بالسبع قطعاً للوسوسة، ولا بد من العصر في كل مرة، وكذلك يقدر في الاستنجاء.
والاستنجاء سنة من كل ما يخرج من السبيلين إلا الريح، ويجوز بالحجر وما يقوم مقامه يمسحه حتى ينقيه، والغسل أفضل، وإذا تعدت النجاسة المخرج لم يجز إلا الغسل، ولا يستنجى بيمينه ولا بعظم ولا بروث ولا بطعام، ويكره استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء.
كتاب الصلاة
باب مواقيت الصلاة:
وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني المعترض إلى طلوع الشمس، ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يبلغ الظل مثليه سوى فئ الزوال، وإذا خرج وقت الظهر على الاختلاف دخل وقت العصر، وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس، وإذا غابت الشمس دخل وقت المغرب، وآخره ما لم يغب الشفق، وإذا خرج وقت المغرب دخل وقت العشاء، وآخره ما لم يطلع الفجر، ووقت الوتر وقت العشاء.
ويستحب الإسفار بالفجر، والإبراد بالظهر في الصيف، وتقديمها في الشتاء، وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس، وتعجيل المغرب، وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل ويستحب في الوتر آخر الليل، فإن لم يثق بالانتباه أوتر أوله، ويستحب تأخير الفجر والظهر والمغرب، وتعجيل العصر والعشاء يوم الغيم.
فصل:
لا تجوز الصلاة وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة عند طلوع الشمس وزوالها وغروبها إلا عصر يومه عند الغروب، ولا يتنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب، ولا بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر، ولا قبل المغرب، ولا قبل صلاة العيد، ولا إذا خرج الإمام يوم الجمعة، ولا يجمع بين صلاتين في وقت واحد في حضر ولا سفر إلا بعرفة والمزدلفة.
باب الأذان
وصفته معروفة ولا ترجيع فيه، والإقامة مثله، ويزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين، وهما سنتان للصلوات الخمس والجمعة، يزيد في أذان الفجر بعد الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين، ويرتل الأذان، ويحدر الإقامة، ويستقبل بهما القبلة، ويجعل إصبعيه في أذنيه ويحول وجهه يميناً وشمالاً بالصلاة والفلاح، ويجلس بين الأذان والإقامة إلا في المغرب، ويكره التلحين في الأذان، وإذا قال حي على الصلاة قام الإمام والجماعة، وإذا قال قد قامت الصلاة كبروا، وإذا كان الإمام غائباً أو هو المؤذن لا يقومون حتى يحضر، ويؤذن للفائتة ويقيم، ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها، ولا يتكلم في الأذان والإقامة، ويؤذن ويقيم على طهارة.
باب ما يفعل قبل الصلاة
وهي ست فرائض: طهارة البدن من النجاستين، وطهارة الثوب، وطهارة المكان، وستر العورة، واستقبال القبلة، والنية، وعورة الرجل ما تحت سرته إلى تحت ركبته، وكذلك الأمة وبطنها وظهرها عورة، وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها؛ وفي القدم روايتان، ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد، ومن لم يجد ثوباً صلى عرياناً قاعداً مومياً، وهو أفضل من القيام، ومن كان بحضرة الكعبة يتوجه إلى عينها، وإن كان نائياً عنها يتوجه إلى جهتها، وإن كان خائفاً يصلي إلى أي جهة قدر، وإن اشتبهت عليه القبلة وليس له من يسأله اجتهد وصلى ولا يعيد وإن أخطأ، فإن علم بالخطأ وهو في الصلاة استدار وبنى، وإن صلى بغير اجتهاد فأخطأ أعاد، وينوي الصلاة التي يدخل فيها نيةً متصلةً بالتحريمة، وهي أن يعلم بقلبه أي صلاة هي، ولا معتبر باللسان، وإن كان مأموماً ينوي فرض الوقت والمتابعة.
باب الأفعال في الصلاة
وينبغي للمصلي أن يخشع في صلاته ويكون نظره إلى موضع سجوده، ومن أراد الدخول في الصلاة كبر، ويرفع يديه ليحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه، ولا يرفعهما في تكبيرة سواها، ثم يعتمد بيمينه على رسغ يساره تحت سرته ويقول: سبحانك اللهم إلى آخره، ويتعوذ، ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويخفيها، ثم إن كان إماماً جهر بالقراءة في الفجر والأوليين من المغرب والعشاء وفي الجمعة والعيدين، وإن كان منفرداً إن شاء جهر وإن شاء خافت، وإن كان مأموماً لا يقرأ، وإذا قال الإمام ولا الضالين، قال: آمين، ويقولها المأموم ويخفيها، فإذا أراد الركوع كبر وركع، ووضع يديه على ركبتيه، ويفرج أصابعه ويبسط ظهره، ولا يرفع رأسه ولا ينكسه، ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثاً، ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده، ويقول المؤتم ربنا لك الحمد، ثم يكبر، ويسجد على أنفه وجبهته.
وبضع ركبته قبل يديه، ويضع يديه حذاء أذنيه، ويبدي ضبعيه، ويجافي بطنه عن فخيه، ولا يفترش ذراعيه، ويقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً، ولو سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز، ثم يكبر ويرفع رأسه ويجلس، فإذا جلس كبر وسجد، ثم يكبر وينهض قائماً ويفعل كذلك في الركعة الثانية إلا الاستفتاح والتعوذ، فإذا رفع رأسه في الركعة الثانية من السجدة الثانية افترش رجله اليسرى فجلس عليها ونصب اليمنى، ووجه أصابعه نحو القبلة، ووضع يديه على فخذيه، وبسط أصابعه وتشهد.
والتشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ولا يزيد على التشهد في القعدة الأولى، ثم ينهض مكبراً ويقرأ فيهما فاتحة الكتاب، ويجلس في آخر الصلاة، ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة، ثم يسلم عن يمينه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك.
فصل:
الوتر واجب, وهي ثلاث ركعات كالمغرب لا يسلم بينهن، ويقرأ في جميعها، ويقنت في الثالثة قبل الركوع، ويرفع يديه ويكبر، ثم يقنت، ولا قنوت في غيرها.
فصل:
القراءة فرض في ركعتين سنة في الأخريين، وإن سبح فيهما أجزأه، ومقدار الفرض آية في كل ركعة، والواجب الفاتحة والسورة أو ثلاث آيات. والسنة أن يقرأ في الفجر والظهر طوال المفصل، وفي العصر والعشاء أوساطه، وفي المغرب قصاره، وفي حالة الضرورة والسفر يقرأ بقدر الحال، ولا يتعين شيء من القرآن لشيء من الصلوات، ويكره تعيينه.
فصل:
الجماعة سنة مؤكدة، وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة، ثم أقرؤهم، ثم أورعهم، ثم أسنهم، ثم أحسنهم خلقاً، ثم أحسنهم وجهاً، ولا يطول بهم الصلاة، ويكره إمامة العبد والأعرابي والأعمى والفاسق وولد الزنا والمبتدع، ولو تقدموا وصلوا جاز، ولا تجوز إمامة النساء والصبيان للرجال، ومن صلى بواحد أقامه عن يمينه، فإن صلى باثنين أو أكثر تقدم عليهم، ويصف الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء، ولا تدخل المرأة في صلاة الرجل إلا أن ينويها الإمام، وإذا قامت إلى جانب رجل في صلاة مشتركة فسدت صلاته، ويكره للنساء حضور الجماعات، وأن يصلين جماعةً، فإن فعلن وقفت الإمام وسطهن، ولا يقتدي الطاهر بصاحب عذر، ولا القارئ بالأمي، ولا المكتسي بالعريان، ولا من يركع ويسجد بالمومي ولا المفترض بالمتنفل، ولا المفترض بمن يصلي فرضاً آخر. ويجوز اقتداء المتوضئ بالمتيمم، والغاسل بالماسح، والقائم بالقاعد، والمتنفل بالمفترض. ومن علم أن إمامه على غير طهارة أعاد ويجوز أن يفتح على إمامه وإن فتح على غيره فسدت صلاته، ومن حصر عن القراءة أصلاً فقدم غيره جاز، وإن قنت إمامه في الفجر سكت.
فصل:
يكره للمصلي أن يعبث بثوبه، أو يفرقع أصابعه، أو يتخصر، أو يعقص شعره، أو يسدل ثوبه، أو يقعى أو يلتفت، أو يتربع بغير عذر، أو يقلب الحصى إلا لضرورة، أو يرد السلام بلسانه أو بيده، أو يتمطى، أو يتثاءب، أو يغمض عينيه، أو يعد التسبيح أو الآيات ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة، وإن أكل أو شرب أو تكلم أو قرأ من المصحف فسدت صلاته، وكذلك إذا أن أو تأوه أو بكى بصوت إلا أن يكون من ذكر الجنة أو النار.
وإن سبقه الحدث توضأ وبنى، والإستئناف أفضل، وإن كان إماماً استخلف، وإن جن أو نام فاحتلم أو أغمى عليه استقبل، وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم، وإن تعمد الحدث تمت صلاته.
فصل:
ويقضي الفائتة إذا ذكرها كما فاتت سفراً أو حضراً، ويقدمها على الوقتية إلا أن يخاف فوتها، ويرتب الفوائت في القضاء. ويسقط الترتيب بالنسيان، وخوف فوت الوقتية، وأن تزيد على خمس وإذا سقط الترتيب لا يعود، ويقضي الصلوات الخمس والوتر، وسنة الفجر إذا فاتت معها، والأربع قبل الظهر يقضيها بعدها.
باب النوافل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتاً في الجنة: ركعتين قبل الفجر، وأربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء. ويستحب أن يصلي بعد الظهر أربعاً، وقبل العصر أربعاً، وبعد المغرب ستاً، وقبل العشاء أربعاً وبعدها أربعاً، ويصلي قبل الجمعة أربعاً، وبعدها أربعاً، ويلزم التطوع بالشروع مضياً وقضاءً، فإن افتتحه قائماً ثم قعد لغير عذر جاز ويكره. وصلاة الليل ركعتان بتسليمة أو أربع أو ست أو ثمان، ويكره الزيادة على ذلك، وفي النهار ركعتان أو أربع، والأفضل فيهما الأربع، ولا يزيد في النهار على أربع بتسليمة، وطول القيام أفضل من كثرة السجود، والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل.
فصل:
التراويح سنة مؤكدة وينبغي أن يجتمع أن يجتمع الناس في كل ليلة من شهر رمضان بعد العشاء، فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات، كل ترويحة أربع ركعات بتسليمتين يجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة، وكذا بعد الخامسة، ثم يوتر بهم، ولا يصلي الوتر بجماعة إلا في شهر رمضان، ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر، ويكره قاعداً مع القدرة على القيام. والسنة ختم القرآن في التراويح مرةً واحدةً، والأفضل في السنن المنزل إلا التراويح.
فصل:
صلاة كسوف الشمس ركعتان كهيئة النافلة، ويصلي بهم إمام الجمعة، ولا يجهر ولا يخطب، فإن لم يكن صلى الناس فرادى ركعتين أو أربعاً، ويدعون بعدها حتى تنجلي الشمس، وفي خسوف القمر يصلي كل وحده، وكذا في الظلمة والريح وخوف العدو.
فصل:
لا صلاة في الاستسقاء، لكن الدعاء والاستغفار، وإن صلوا فرادى فحسن، ولا يخرج معهم أهل الذمة.
باب سجود السهو
ويسجد له بعد السلام سجدتين ثم يتشهد ويسلم، ويجب إذا زاد في صلاته فعلاً من جنسها، أو جهر الإمام فيما يخافت به أو عكس، ولا يلزم لترك ذكر إلا القراءة والتشهدين والقنوت وتكبيرات العيدين، وإن قرأ في الركوع أو القعود سجد للسهو، وإن تشهد في القيام أو الركوع لا يسجد، ومن سها مرتين أو أكثر تكفيه سجدتان، وإذا سها الإمام فسجد سجد المأموم وإلا فلا، وإن سها المؤتم لا يسجدان، والمسبوق يسجد مع الإمام ثم يقضي، ومن سها عن القعدة الأولى ثم تذكر وهو إلى القعود أقرب عاد وتشهد، وإن كان إلى القيام أقرب لم يعد ويسجد للسهو، وإن سها عن القعدة الأخيرة فقام عاد ما لم يسجد، فإن سجد ضم إليها سادسةً وصارت نفلاً، وإن قعد في الرابعة قدر التشهد ثم قام عاد وسلم، وإن سجد في الخامسة تم فرضه، فيضم إليها ركعةً سادسةً ويسجد للسهو والركعتان له نافلة. ومن شك في صلاته فلم يدر كم صلى وهو أول ما عرض له استقبل، فإن كان يعرض له الشك كثيراً بنى على غالب ظنه فإن لم يكن له ظن بنى على الأقل.
باب سجود التلاوة
وهو واجب على التالي والسامع، وهي في آخر الأعراف، والرعد، والنحل، وبنى إسرائيل، وحريم، والأولى في الحج، والفرقان، والنمل، والم تنزيل، وص، وحم السجدة، والنجم، والانشقاق، والعلق. وشرائطها كشرائط الصلاة وتقضي، فإن تلاها الإمام سجدها والمأموم، وإن تلاها المأموم لم يسجداها، وإن سمعها من ليس في الصلاة سجدها، وإن سمعها المصلي ممن ليس معه في الصلاة سجدها بعد الصلاة، ومن تلاها في الصلاة فلم يسجدها فيها سقطت، ومن كرر آية سجدة في مكان واحد تكفيه سجدة واحدة، وإذا أراد السجود كبر وسجد، ثم كبر ورفع رأسه.
باب صلاة المريض
إذا عجز عن القيام أو خاف زيادة المرض صلى قاعداً يركع ويسجد، أو مومياً إن عجز عنهما، وإن عجز عن القعود أومأ مستلقياً، أو على جنبه، فإن رفع إلى رأسه شيئاً يسجد عليه إن خفض رأسه جاز وإلا فلا، فإن عجز عن الركوع والسجود وقدر على القيام أومأ قاعداً، فإن عجز عن الإيماء برأسه أخر الصلاة، ولا يومئ بعينيه، ولا بقلبه ولا بحاجبه، ولو صلى بعض صلاته قائماً ثم عجز فهو كالعجز قبل الشروع، ولو شرع مومياً ثم قدر على الركوع والسجود استقبل ومن أغمى عليه أو جن خمس صلوات قضاها، ولا يقضي أكثر من ذلك.
باب صلاة المسافر
وفرضه في كل رباعية ركعتان، ويصير مسافراً إذا فارق بيوت المصر قاصداً مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام، ويعتبر في الجبل ما يليق به، وفي البحر اعتدال الرياح، ولا يزال على حكم السفر حتى يدخل مصره أو ينوي الإقامة خمسة عشر يوماً في مصر أو قرية، وإن نوى أقل من ذلك فهو مسافر وإن طال مقامه. ومن لزمه طاعة غيره كالعسكر والعبد والزوجة يصير مسافراً بسفره مقيماً بإقامته، والمسافر يصير مقيماً بالنية إلا العسكر إذا دخل دار الحرب أو حاصر موضعاً، ونية الإقامة من أهل الأخبية صحيحة، ولو نوى أن يقيم بموضعين لا يصح إلا أن يبيت بأحدهما، والمعتبر في تغير الفرض قصراً وإتماماً آخر الوقت، ولا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم خارج الوقت، فإن اقتدى به في الوقت أتم الصلاة، فإن أم المسافر المقيم سلم على ركعتين وأتم المقيم، والعاصي والمطيع في الرخص سواء.
باب صلاة الجمعة
ولا تجب إلا على الأحرار الأصحاء المقيمين بالأمصار، ولا تقام إلا في المصر أو مصلاه، والمصر مالو اجتمع أهله في أكبر مساجده لم يسعهم. ولا بد من السلطان أو نائبه ووقتها وقت الظهر، ولا تجوز إلا بالخطبة يخطب الإمام خطبتين يفصل بينهما بقعدة خفيفة، وإن اقتصر على ذكر الله تعالى جاز، والأولى أن يخطب قائماً طاهراً، فإن خطب قاعداً أو على غير وضوء جاز، ولا بد من الجماعة، ومن لا تجب عليه إذا صلاها أجزأته عن الظهر وإن أم فيها جاز، ومن صلى الظهر يوم الجمعة بغير عذر جاز ويكره، فإن شاء أن يصلي الجمعة بعد ذلك يبطل ظهره بالسعي، ويكره لأصحاب الأعذار أن يصلوا الظهر يوم الجمعة جماعةً في المصر، وإذا خرج الإمام يوم الجمعة استقبله الناس واستمعوا وأنصتوا؛ وتكره الصلاة والإمام يخطب فإذا أذن الأذان الأول توجهوا إلى الجمعة، وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يديه الأذان الثاني، فإذا أتم الخطبة أقاموا.
باب صلاة العيدين
وتجب على من تجب عليه صلاة الجمعة، وشرائطها كشرائطها إلا الخطبة. ويستحب يوم الفطر للإنسان أن يغتسل ويستاك، ويلبس أحسن ثيابه.
ويتطيب ويأكل شيئاً حلواً تمراً أو زبيباً أو نحوه، ويخرج صدقة الفطر ثم يتوجه إلى المصلي، ووقت الصلاة من ارتفاع الشمس إلى زوالها. ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر تكبيرة الإحرام وثلاثاً، يعدها ثم يقرأ الفاتحة وسورةً، ثم يكبر ويركع، ويبدأ في الثانية بالقراءة ثم يكبر ثلاثاً، وأخرى للركوع، ويرفع يديه في الزوائد، ويخطب بعد الصلاة خطبتين يعلم الناس فيهما صدقة الفطر، فإن شهد برؤية الهلال بعد الزوال صلوها من الغد، ولا يصلوها بعد ذلك.
يستحب في يوم الأضحى ما يستحب في يوم الفطر إلا أنه يؤخر الأكل بعد الصلاة، ويكبر في طريق المصلي جهراً، ويصليها كصلاة الفطر، ثم يخطب خطبتين يعلم الناس فيهما الأضحية وتكبير التشريق، فإن لم يصلوها أول يوم صلوها من الغد وبعده، والعذر وعدمه سواء.
وتكبير التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله الله أكبر ولله الحمد، وهو واجب عقيب الصلوات المفروضات في جماعات الرجال المقيمين بالأمصار من عقيب صلاة الفجر يوم عرفة إلى عقيب صلاة العصر أول أيام النحر ثمان صلوات.
باب صلاة الخوف
وهي أن يجعل الإمام الناس طائفتين: طائفةً أمام العدو، وطائفةً يصلي بهم ركعةً إن كان مسافراً، وركعتين إن كان مقيماً، وكذلك في المغرب، وتمضي إلى وجه العدو، وتجئ تلك الطائفة فيصلي بهم باقي الصلاة ويسلم وحده، ويذهبون إلى وجه العدو، وتأتي الأولى فيتمون ضلاتهم بغير قراءة ويسلمون ويذهبون، وتأتي الأخرى فيتمون صلاتهم بقراءة ويسلمون.
ومن قاتل أو ركب فسدت صلاته، فإذا اشتد الخوف صلوا ركباناً وحدانا يومئون إلى أي جهة قدروا، ولا تجوز الصلاة ماشياً، وخوف السبع كخوف العدو.
باب الصلاة في الكعبة
يجوز فرض الصلاة ونفلها في الكعبة وفوقها، فإن قام الإمام في الكعبة وتحلق المقتدون حولها جاز، وإن كانوا معه جاز، إلا من جعل ظهره إلى وجه الإمام، وإذا صلى الإمام في المسجد الحرام تحلق الناس حول الكعبة وصلوا بصلاته.
باب الجنائز
ومن احتضر وجه إلى القبلة على شقه الأيمن، ولقن الشهادة، فإن مات شدوا لحييه وغمضوا عينيه، ويستحب تعجيل دفنه.
ويجب غسله وجوب كفاية، ويجرد للغسل ويوضع على سرير مجمر وتراً، وتستر عورته، ويوضأ للصلاة إلا المضمضة والاستنشاق، ويغلي الماء بالسدر أو بالحرض إن وجد ويغسل رأسه ولحيته بالخطمى من غير تسريح، ويضجع على شقه الأيسر فيغسل حتى يعلم وصول الماء تحته، ثم يضجع على شقه الأيمن فيغسل كذلك، ثم يجلسه ويمسح بطنه، فإن خرج منه شيء غسله، ولا يعيد غسله، ثم ينشفه بخرقة، ويجعل الحنوط على رأسه ولحيته. والكافور على مساجده. ثم يكفنه في ثلاثة أثواب بيض مجمرة: قميص، وإزار، ولفافة، وهذا كفن السنة.
وصفته: أن تبسط اللفافة ثم الإزار فوقها ثم يقمص، وهو من المنكب إلى القدم، ويوضع الإزار وهو من القرن إلى القدم، ويعطف عليه من قبل اليسار ثم من قبل اليمين، فإن اقتصروا على إزار ولفافة جاز، ولا يقتصر على واحد إلا عند الضرورة، ويعقد الكفن إن خيف انتشاره، ولا يكفن إلا فيما يجوز لبسه له، وكفن المرأة كذلك، وتزاد خماراً وخرقةً تربط فوق ثدييها، فإن اقتصروا على ثوبين وخمار جاز، ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق القميص تحت اللفافة.
فصل:
الصلاة على الميت فرض كفاية، وأولى الناس بالإمام فيها السلطان ثم القاضي ثم إمام الحي ثم الأولياء الأقرب فالأقرب، إلا الأب فإنه يقدم على الابن، وللولي أن يصلي إن صلى غير السلطان أو القاضي، فإن صلى الولي فليس لغيره أن يصلي بعده، وإن دفن من غير صلاة صلوا على قبره ما لم يغلب على الظن تفسخه، ويقوم الإمام حذاء الصدر للرجل والمرأة.
والصلاة أربع تكبيرات، ويرفع يديه في الأولى ولا يرفع بعدها، يحمد الله تعالى بعد الأولى، ويصلي على النبي عليه الصلاة والسلام بعد الثانية، ويدعو لنفسه وللميت وللمؤمنين بعد الثالثة، ويسلم بعد الرابعة، ويقول في الصبي بعد الثالثة: اللهم اجعله لنا فرطاً وذخراً شافعاً مشفعاً، ولا قراءة فيها ولا تشهد؛ ومن استهل وهو أن يسمع له صوت سمي وغسل وصلي عليه، وإلا أدرج في خرقة ولم يصل عليه، فإذا حملوه على سريره أخذوا بقوائمه الأربع وأسرعوا به دون الخبب، فإذا وصلوا إلى قبره كره لهم أن يقعدوا قبل أن يوضع على الأرض، والمشي خلفها أفضل، ويحفر القبر ويلحد، ويدخل الميت من جهة القبلة ويقول واضعه: بسم الله وعلى ملة رسول الله، ويوجهه إلى القبلة على شقه الأيمن، ويسجى قبر المرأة بثوب حتى يجعل اللبن على اللحد، ولا يسجى قبر الرجل ويسوي اللبن على اللحد، ثم يهال التراب عليه، ويسنم القبر، ويكره بناؤه بالجص والآجر والخشب، ويكره أن يدفن اثنان في قبر واحد إلا لضرورة، ويجعل بينهما، تراب؛ ويكره وطء القبر والجلوس والنوم عليه والصلاة عنده؛ وإذا مات للمسلم قريب كافر غسله غسل الثوب النجس، ويلفه في ثوب ويلقيه في حفيرة، وإن شاء دفعه إلى أهل دينه.
باب الشهيد
وهو من قتله المشركون، أو وجد بالمعركة جريحاً، أو قتله المسلمون ظلماً ولم يجب فيه مال، فإنه لا يغسل إن كان عاقلاً بالغاً طاهراً، ويصلي عليه ويكفن في ثيابه، وينقص ويزاد مراعاةً لكفن السنة، وينزع عنه الفرو والحشو والسلاح والخف والقلنسوة، فإن أكل، أو شرب، أو تداوى، أو أوصى بشيء من أمور الدنيا، أو باع، أو اشترى، أو صلى، أو حمل من المعركة حياً، أو آوته خيمة، أو عاش أكثر من بوم وهو يعقل غسل، والمقتول حداً أو قصاصاً يغسل ويصلي عليه؛ والبغاة وقطاع الطريق لا يصلي عليهم.
كتاب الزكاة
ولا تجب إلا على الحر المسلم العاقل البالغ إذا ملك نصاباً خالياً عن الدين فاضلاً عن حوائجه الأصلية ملكاً تاماً في طرفي الحول.
ولا يجوز أداؤها إلا بنية مقارنة لعزل الواجب أو للأداء؛ ومن تصدق بجميع ماله سقطت وإن لم ينوها، ولا زكاة في المال الضمار، وتجب في المستفاد المجانس ويزكيه مع الأصل. وتجب في النصاب دون العفو، وتسقط بهلاك النصاب بعد الجول، وإن هلك بعضه سقطت حصته، ويجوز فيها دفع القيمة، ويأخذ المصدق وسط المال؛ ومن ملك نصاباً فعجل الزكاة قبل الحول لسنة أو أكثر، أو لنصب جاز.
باب زكاة السوائم
السائمة التي تكتفي بالرعي في أكثر حولها، فإن علفها نصف الحول أو أكثره فليست بسائمة.
والإبل تتناول البخت والعراب. والبقر يتناول الجواميس أيضاً؛ والغنم الضأن والمعز.
فصل:
ليس في أقل من خمس من الإبل السائمة زكاة، وفي الخمس شاة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشر ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وهي التي طعنت في السنة الثانية، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وهي التي طعنت في الثالثة، وفي ست وأربعين حقة، وهي التي طعنت في الرابعة، وفي إحدى وستين جذعة، وهي التي طعنت في الخامسة، وفي ست وسبعين بنتاً لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين، ثم في الخمس شاة كالأول إلى مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان، وبنت مخاض إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق، ثم في الخمس شاة كالأول إلى مائة وخمس وسبعين ففيها ثلاث حقاق وبنت مخاض، وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين، ثم تستأنف أبداً كما استؤنفت بعد المائة والخمسين.
فصل:
ليس في أقل من ثلاثين من البقر شيء، وفي ثلاثين تبيع أو تبيعة، وهي التي طعنت في الثانية، وفي أربعين مسن أو مسنة، وهي التي طعنت في الثالثة، وما زاد بحسابه إلى ستين، وفي ستين تبيعان أو تبيعتان، وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين مسنتان، وعلى هذا ينتقل الفرض في كل عشرة من تبيع إلى مسنة.
فصل:
ليس في أقل من أربعين شاة صدقة، وفي أربعين شاةً إلى مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان إلى مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه، إلى أربعمائة ففيها أربع شياه، ثم في كل مائة شاة، وأدنى ما تتعلق به الزكاة، ويوخذ في الصدقة الثني، وهو ما تمت له سنة.
فصل:
من كان له خيل سائمة ذكور وإناث؛ أو إناث، فإن شاء أعطى عن كل فرس ديناراً، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم.
ولا زكاة في البغال والحمير، ولا في العوامل والعلوفة، ولا في الفصلان والحملان والعجاجيل إلا أن يكون معها كبار، ولا في السائمة المشتركة إلا أن يبلغ نصيب كل شريك نصاباً، ومن وجب عليه سن فلم يوجد عنده أخذ منه أعلى منه ورد الفضل، أو أدنى منه وأخذ الفضل.
باب زكاة الذهب والفضة
وتجب في مضروبهما وتبرهما وحليهما وآنيتهما نوى التجارة أو لم ينو إذا كان ذلك نصاباً، ويضم أحدهما إلى الآخر بالقيمة، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً وفيه نصف مثقال، ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان. ونصاب الفضة مائتا درهم، وفيها خمسة دراهم، ثم في كل أربعين درهماً درهم، وتعتبر فيهما الغلبة، فإن كانت للغش فهي عروض، وإن كانت للفضة فهي فضة، وكذلك الذهب، والمعتبر في الدراهم كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ولا زكاة في العروض إلا أن تكون للتجارة، وتبلغ قيمتها نصاباً من أحد التقدين وتضم قيمتها إليهما.
باب زكاة الزروع والثمار
ما سقته السماء أو سقى سيحاً ففيه العشر قل أو كثر، إلا القصب الفارسي والحطب والحشيش، وما سقى بالدولاب والدالية فنصف العشر، ولا شيء في التبن والسعف، ولا تحسب مئونته، والخرج عليه. وفي العسل العشر قل أو كثر إذا أخذ من أرض العشر، والأرض العشرية إذا اشتراها ذمي صارت خراجيةً، والخراجية لا تصير عشرية أصلاً، ولا شيء فيما يستخرج من البحر كاللؤلؤ والعنبر والمرجان، ولا فيما يوجد في الجبال كالجص والنورة والياقوت والفيروزج والزمرد.
باب العاشر
وهو من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار مما يمرون عليه؛ فيأخذ من المسلم ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر. فمن أنكر تمام الحول أو الفراغ من الدين، أو قال: أديت إلى عاشر آخر، أو إلى الفقراء في المصر وحلف صدق، والمسلم والذمي سواء؛ والحربي لا يصدق إلا في أمهات الأولاد، ويعشر قيمة الخمر دون الخنزير.
باب المعدن
مسلم أو ذمي وجد معدن ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص أو نحاس في أرض عشر أو خراج، فخمسه فئ والباقي له؛ وإن وجده في داره فلا شيء فيه، وكذلك لو وجده في أرضه؛ وإن وجده حربي في دار الإسلام فهو فئ؛ ومن وجد كنزاً فيه علامة المسلمين فهو لقطة، وإن كان فيه علامة الشرك فهو من مال المشركين فيكون غنيمةً ففيه الخمس والباقي للواجد، وإن وجد في دار رجل مالاً مدفوناً من أموال الجاهلية فهو لمن كانت الدار له، وهو المختط الذي خطها الإمام له عند الفتح، فإن لم يعرف المختط فلأقصى ما لك يعرف لها.
باب مصارف الزكاة
وهم الفقير وهو الذي له أدنى شيء، والمسكين الذي لا شيء له، والعامل على الصدقة يعطي بقدر عمله، ومنقطع الغزاة والحاج، والمكاتب يعان في فك رقبته، والمديون الفقير، والمنقطع عن ماله، وللمالك أن يعطي جميعهم، وله أن يقتصر على أحدهم، ولا يدفعها إلى ذمي، ولا إلى غني، ولا إلى ولد غني صغير، ولا مملوك غني، ولا إلى من بينهما قرابة ولاد أعلى أو أسفل، ولا إلى زوجته، ولا إلى مكاتبه، ولا إلى هاشمي، ولا إلى مولى هاشمي، وإن أعطى فقيراً واحداً نصاباً أو أكثر جاز ويكره، ويجوز دفعها إلى من يملك دون النصاب وإن كان صححا مكتسباً، ولو دفعها إلى من ظنه فقيراً فكان غنياً، أو هاشمياً، أو دفعها في ظلمة فظهر أنه أبوه أو ابته أجزأه، وإن كان عبده أو مكاتبه لم يجزه، ويكره نقلها إلى بلد آخر إلا إلى قرابته أو من هو أحوج من أهل بلده.
باب صدقة الفطر
وهي واجبة على الحر المسلم المالك لمقدار النصاب فاضلاً عن حوائجه الأصلية، عن نفسه وأولاده الصغار وعبيده للخدمة ومدبره وأم ولده وإن كانوا كفاراً لا غير، وهي نصف صاع من بر أو دقيقه، أو صاع من شعير أو دقيقه أو تمر أو زبيب، أو قيمة ذلك، والصاع ثمانية أرطال بالعراقي، وتجب بطلوع الفجر من يوم الفطر، فإن قدمها جاز، وإن أخرها فعليه إخراجها، وإن كان للصغير مال أدى عنه وليه وعن عبده، ويستحب إخراجها يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى.
كتاب الصوم
صوم رمضان فريضة على كل مسلم عاقل بالغ أداءً وقضاءً، وصوم النذر والكفارات واجب، وما سواه نفل، وصوم العيدين وأيام التشريق حرام، وصوم رمضان، والنذر المعين يجوز بنية من الليل وإلى نصف النهار، وبمطلق النية، وبنية النفل.
والنفل يجوز بنية من النهار، ويجوز صوم رمضان بنية واجب آخر، وباقي الصوم لا يجوز إلا بنية معينة من الليل، والمريض والمسافر في رمضان إن نوى واجباً آخر وقع عنه وإلا وقع عن رمضان.
ووقت الصوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع مع النية بشرط الطهارة عن الحيض والنفاس؛ ويجب أن يلتمس الناس الهلال في التاسع والعشرين من شعبان وقت الغروب، فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم أكملوه ثلاثين يوماً، وإن كان بالسماء علة غيم أو غبار أو نحوهما مما يمنع الرؤية قبل شهادة الواحد العدل، والحر والعبد والمرأة في ذلك سواء، فإن رد القاضي شهادته صام، وإن لم يكن بالسماء علة لم تقبل إلا شهادة جمع يقع العلم بخبرهم، فإذا ثبت في بلد لزم جميع الناس؛ ولا اعتبار باختلاف المطالع، ولا يصام يوم الشك إلا تطوعاً، ويلتمس هلال شوال في التاسع والعشرين من رمضان، فمن رآه وحده لا يفطر، فإن أفطر قضاه ولا كفارة عليه، فإن كان بالسماء علة قبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وإن لم يكن بها علة فجمع كثير، وذو الحجة كشوال.
فصل
ومن جامع أو جومع في أحد السبيلين عامداً، أو أكل أو شرب عامداً غذاءً أو دواءً وهو صائم في رمضان عليه القضاء والكفارة مثل المظاهر، وإن جامع فيما دون السبيلين أو بهيمةً، أو قبل، أو لمس فأنزل، او احتقن، أو استعط، أو أقطر في أذنه، أو داوي جائفةً أو آمةً فوصل إلى جوفه أو دماغه، أو ابتلع الحديد، أو استقاء ملء فيه، أو تسحر يظنه ليلاً والفجر طالع، أو أفطر يظنه ليلاً والشمس طالعة فعليه القضاء لا غير، وإن أكل أو شرب أو جامع ناسياً، أو نام فاحتلم، أو نظر إلى امرأة فأنزل أو ادهن أو اكتحل، أو قبل، أو اغتاب، أو غلبه القئ، أو أقطر في إحليله، أو دخل حلقه غبار أو ذباب، أو أصبح جنباً لم يفطر، وإن ابتلع طعاماً بين أسنانه مثل الحمصة أفطر وإلا فلا، ويكره للصائم مضغ العلك والذوق والقبلة إن لم يأمن على نفسه.
فصل
ومن خاف المرض أو زيادته أفطر، والمسافر صومه أفضل، ولو أفطر جاز، فإن ماتا على حالهما لا شيء عليهما، وإن صح وأقام ثم ماتا لزمهما القضاء بقدره، ويوصيان بالإطعام عنهما لكل يوم مسكيناً كالفطرة؛ والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو نفسيهما أفطرتا وقضتا لا غير؛ والشيخ الذي لا يقدر على الصيام يفطر ويطعم؛ ومن جن الشهر كله فلا قضاء عليه، وإن أفاق بعضه قضى ما فاته؛ وإن أغمى عليه رمضان كله قضاه، ويلزم صوم النفل بالشروع أداءً وقضاءً، وإذا طهرت الحائض، أو قدم المسافر، أو بلغ الصبي، أو أسلم الكافر في بعض النهار أمسك بقيته، وقضاء رمضان إن شاء تابع وإن شاء فرق، فإن جاء رمضان آخر صامه ثم قضى الأول لا غير، ومن نذر صوم يومي العيد وأيام التشريق لزمه ويفطر ويقضي، ولو صامها أجزأه.
باب الاعتكاف
الاعتكاف سنة مؤكدة، ولا يجوز أقل من يوم، وهذا في الواجب وهو المنذور باتفاق أصحابنا وهو اللبث في مسجد جماعة مع الصوم والنية، والمرأة تعتكف في مسجد بيتها، ويشترط في حقها ما يشترط في حق الرجل في المسجد، ولا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان أو الجمعة، فإن خرج لغير عذر ساعةً فسد، ويكره له الصمت، ولا يتكلم إلا بخير، ويحرم عليه الوطء ودواعيه، فإن جامع ليلاً أو نهاراً عامداً أو ناسياً بطل، ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام لزمته بلياليها متتابعةً، ولو نوى النهار خاصةً صدق، ويلزم بالشروع.
كتاب الحج
وهو فريضة العمر، ولا يجب إلا مرةً واحدةً على كل مسلم حر عاقل بالغ صحيح قادر على الزاد والراحلة، ونفقة ذهابه وإيابه فاضلاً عن حوائجه الأصلية ونفقة عياله إلى حين يعود ويكون الطريق أمنا، ولا تحج المرأة إلا بزوج أو محرم إذا كان سفراً، ونفقة المحرم عليها، وتحج معه حجة الإسلام بغير إذن زوجها، ووقته شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة، ويكره تقديم الإحرام عليها ويجوز. والمواقيت: للعراقيين ذات عرق، وللشاميين الجحفة، وللمدنيين ذو الحليفة، وللنجديين قرن، ولليمنيين يلملم، وإن قدم الإحرام عليها فهو أفضل، ولا يجوز للأفاقي أن يتجاوزها إلا محرماً إذا أراد دخول مكة، فإن جاوزها الأفاقي بغير إحرام فعليه شاة فإن عاد فأحرم منه سقط الدم، وإن أحرم بحجة أو عمرة ثم عاد إليه ملبياً سقط أيضاً، ولو عاد بعد ما استلم الحجر وشرع في الطواف لم يسقط، وإن جاوز الميقات لا يريد دخول مكة فلا شيء عليه، ومن كان داخل الميقات فميقاته الحل، ومن كان بمكة فوقته في الحج الحرم، وفي العمرة الحل.
وإذا أراد أن يحرم يستحب له أن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، ويحلق عانته، ثم يتوضأ أو يغتسل وهو أفضل، ويلبس إزاراً ورداءً جديدين أبيضين وهو أفضل، ولو لبس ثوباً واحداً يستر عورته جاز، ويتطيب إن وجد، ويصلي ركعتين ويقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني، وإن نوى بقلبه أجزأه، ثم يلبي عقيب صلاته.
والتلبية: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنَعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ. فإذا نوى ولبى فقد أحرم، فليتق الرفث والفسوق والجدال، ولا يلبس قميصاً ولا سراويل، ولا عمامةً، ولا قلنسوةً، ولا قباءً، ولا خفين، ولا يحلق شيئاً من شعر رأسه وجسده ولا يلبس ثوباً معصفراً ونحوه، ولا يغطي رأسه ولا وجهه، ولا يتطيب، ولا يغسل رأسه ولا لحيته بالخطمى، ولا يدهن، ولا يقتل صيد البر، ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، ويجوز له قتل البراغيث والبق والذباب والحية والعقرب والفأرة والذئب والغراب والحدأة وسائر السباع إذا صالت عليه، ولا يكسر بيض الصيد، ولا يقطع شجر الحرم، ويجوز له صيد السمك ويجوز له ذبح الإبل والبقر والغنم والدجاج والبط الأهلي، ويجوز له أن يغتسل ويدخل الحمام، ويستظل بالبيت والمحمل، ويشد في وسطه الهميان، ويقاتل عدوه، ويكثر من التلبية عقيب الصلوات، وكلما علا شرفاً أو هبط وادياً أو لقى ركباً وبالأسحار.
فصل
ولا يضره ليلاً دخل مكة أو نهاراً كغيرها من البلاد، فإذا دخلها ابتدأ بالمسجد، فإذا عاين البيت كبر وهلل، وابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر، ويرفع يديه كالصلاة ويقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً، أو يستلمه أو يشير إليه إن لم يقدر على الاستلام، ثم يطوف طواف القدوم، وهو سنة للأفاقي، فيبدأ من الحجر إلى جهة باب الكعبة، وقد اضطبع رداءه، فيطوف سبعة أشواط وراء الحطيم، يرمل في الثلاثة الأول، ثم يمشي على هينته، ويستلم الحجر كلما مر به، ويختم الطواف بالاستلام، ثم يصلي ركعتين في مقام إبراهيم، أو حيث تيسر له من المسجد ثم يستلم الحجر، ويخرج إلى الصفا فيصعد عليه، ويستقبل البيت ويكبر، ويرفع يديه ويهلل، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بحاجته، ثم ينحط نحو المروة على هينته، فإذا بلغ الميل الأخضر سعى حتى يجاوز الميل الآخر، ثم يمشي إلى المروة فيفعل كالصفا وهذا شوط، يسعى سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، ثم يقيم بمكة حراماً يطوف بالبيت ما شاء، ثم يخرج غداة التروية إلى منى فيبيت بها حتى يصلي الفجر يوم عرفة، ثم يتوجه إلى عرفات، فإذا زالت الشمس توضأ أو اغتسل، فإن صلى مع الإمام صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين في وقت الظهر، وإن صلى وحده صلى كل واحدة في وقتها، ثم يقف راكباً رافعاً يديه بسطاً يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على نبيه عليه الصلاة والسلام، ويسأل حوائجه، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة، ووقت الوقوف من زوال الشمس إلى طلوع الفجر الثاني من الغد، فمن فاته الوقوف فقد فاته الحج، فيطوف ويسعى ويتحلل من الإحرام ويقضي الحج فإذا غربت الشمس أفاض مع الإمام إلى المزدلفة، ويأخذ الجمار من الطريق سبعين عصاةً كالباقلاء، ولا يصلي المغرب حتى يأتي المزدلفة فيصليها مع العشاء بأذان وإقامة، ويبيت بها، ثم يصلي الفجر بغلس، ثم يقف بالمشعر الحرام.
والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر؛ ثم يتوجه إلى منى قبل طلوع الشمس، فيبتدئ بجمرة العقبة يرميها بسبع حصيات من بطن الوادي، يكبر مع كل حصاة.
ولا يقف عندها، ويقطع التلبية مع أول حصاة، ثم يذبح إن شاء، ثم يقصر أو يحلق وهو أفضل، وحل له كل شيء إلا النساء، ثم يمشي إلى مكة فيطوف طواف الزيارة من يومه أو من غده أو بعده، وهو ركن إن تركه أو أربعة أشواط منه بقى محرماً حتى يطوفها.
وصفته أن يطوف بالبيت سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعى بعدها، وإن لم يكن طاف للقدوم رمل وسعى وحل له النساء، فإذا كان اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث بعد الزوال يرميها بسبع حصيات ثم يقف عندها مع الناس مستقبل الكعبة، وكذلك يرميها في اليوم الثالث من أيام النحر بعد الزوال، وكذلك في اليوم الرابع إن أقام، وإن نفر إلى مكة في اليوم الثالث سقط عنه رمى اليوم الرابع، فإذا انفرد إلى مكة نزل بالأبطح ولو ساعةً، ثم يدخل مكةً ويقيم بها، فإذا أراد العود إلى أهله طاف طواف الصدر، وهو سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعى، وهو واجب على الأفاقي، ثم يأتي زمزم يستقي بنفسه ويشرب إن قدر، ثم يأتي باب الكعبة ويقبل العتبة، ثم يأتي الملتزم، فيلصق بطنه بالبيت ويضع خده الأيمن عليه ويتشبث بأستار الكعبة، ويجتهد في الدعاء ويبكي ويرجع القهقري حتى يخرج من المسجد وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفة ووقف بها سقط عنه طواف القدوم، ومن اجتاز بعرفة نائماً أو مغمى عليه أو لا يعلم بها أجزأه عن الوقوف، والمرأة كالرجل، إلا أنها تكشف وجهها دون رأسها، ولا ترفع صوتها بالتلبية، ولا ترمل ولا تسعى، وتقصر ولا تحلق، وتلبس المخيط ولا تستلم الحجر، إذا كان هناك رجال، ولو حاضت عند الإحرام اغتسلت وأحرمت، إلا أنها لا تطوف، وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة عادت ولا شيء عليها لطواف الصدر.
فصل
العمرة سنة، وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، ثم يحلق أو يقصر، وهي جائزة في جميع السنة، وتكره يومي عرفة والنحر وأيام التشريق، ويقطع التلبية في أول الطواف.
باب التمتع
وهو أفضل من الإفراد. وصفته: أن يحرم بعمرة في أشهر الحج، ويطوف ويسعى، ويحلق أو يقصر وقد حل، ثم يحرم بالحج يوم التروية، وقبله أفضل، ويفعل كالمفرد، ويرمل ويسعى، وعليه دم التمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة، ولو صامها قبل ذلك وهو محرم جاز، وسبعةً إذا فرغ من أفعال الحج، فإن لم يصم الثلاثة لم يجزه إلا الدم، وإن شاء أن يسوق الهدى أحرم بالعمرة وساق وفعل ما ذكرنا وهو أفضل، ولا يتحلل من عمرته، ويحرم بالحج، فإذا حلق يوم النحر حل من الإحرامين وذبح دم التمتع، وليس لأهل مكة، ومن كان داخل الميقات تمتع ولا قران، وإن عاد المتمتع إلى أهله بعد العمرة ولم يكن ساق الهدى بطل تمتعه، وإن ساق لم يبطل.
باب القران
وهو أفضل من التمتع. وصفته: أن يهل بالحج والعمرة معاً من الميقات، ويقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، فإذا دخل مكة طاف للعمرة وسعى، ثم يشرع في أفعال الحج فيطوف للقدوم، فإذا رمى جمرة العقبة يوم النحر ذبح دم القران، فإن لم يجد صام كالمتمتع، وإذا لم يدخل القارن مكة وتوجه إلى عرفات بطل قرانه وسقط عنه دم القران وعليه دم لرفضها، وعليه قضاء العمرة.
باب الجنايات
إذا طيب المحرم عضواً فعليه شاة، وإن لبس المخيط أو غطى رأسه يوماً فعليه شاة، وإن حلق ربع رأسه فعليه شاة، وكذلك موضع المحاجم، وفي حلق الإبطين أو أحدهما أو الرقبة أو العانة شاة، ولو قص أظافر يديه ورجليه أو واحدة منها فعليه شاة. ولو طاف للقدوم أو للصدر جنباً أو للزيارة محدثاً فعليه شاة، وإن أفاض من عرفة قبل الإمام فعليه شاة فإن عاد إلى عرفة قبل الغروب وإفاضة الإمام سقط عنه الدم، وإن عاد قبل الغروب بعد ما أفاض الإمام أو بعد الغروب لم يسقط، وإن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها، أو طواف الصدر أو أربعةً منه، أو السعي أو الوقوف بالمزدلفة فعليه شاة، وإن طاف للزيارة وعورته مكشوفة أعاد ما دام بمكة، وإن لم يعد فعليه دم، ولو ترك رمي الجمار كلها أو يوم واحد، أو جمرة العقبة يوم النحر فعليه شاة، وإن ترك أقلها تصدق لكل حصاة نصف صاع بر، وإن حلق أقل من ربع رأسه تصدق بنصف صاع بر، وكذا إن قص أقل من خمسة أظافر، وكذلك إن قص خمسةً متفرقةً، ولو طاف للقدوم أو للصدر محدثاً فكذلك، وإن طاف للزيارة جنباً فعليه بدنة وكذلك الحائض، وإن تطيب أو لبس أو حلق لعذر إن شاء ذبح شاةً، وإن شاء تصدق بثلاثة أصوع من طعام على ستة مساكين، وإن شاء صام ثلاثة أيام، ومن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وعليه شاة، ويمضي في حجه ويقضيه، ولا يفارق امرأته إذا قضى الحج، وإن جامع بعد الوقوف لم يفسد حجه وعليه بدنة، وإن جامع بعد الحلق، أو قبل، أو لمس بشهوة فعليه شاة؛ ومن جامع في العمرة قبل طواف أربعة أشواط فسدت، ويمضي فيها ويقضيها وعليه شاة؛ وإن جامع فيها بعد أربعة أشواط لم تفسد وعليه شاة. والعامد والناسي سواء.
فصل
إذا قتل المحرم صيداً أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء، والمبتدئ والعائد والناسي والعامد سواء. والجزاء أن يقوم الصيد عدلان في مكان الصيد، أو في أقرب المواضع منه، ثم إن شاء اشترى بالقيمة هدياً فذبحه، وإن شاء طعاماً فتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بر، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يوماً، فإن فضل أقل من نصف صاع إن شاء تصدق به، وإن شاء صام يوماً.
ومن جرح صيداً، أو نتف شعره، أو قطع عضواً منه ضمن ما نقصه، وإن نتف ريش طائر، أو قطع قوائم صيد فعليه قيمته، وإن كسر بيضته فعليه قيمتها؛ ومن قتل قملةً أو جرادةً تصدق بما شاء، وإن ذبح المحرم صيداً فهو ميتة، وله أن يأكل ما اصطاده حلال إذا لم يعنه. وكل ما على المفرد فيه دم على القارن فيه دمان.
باب الإحصار
المحرم إذا أحصر بعدو أو مرض أو عدم محرم أو ضياع نفقة يبعث شاةً تذبح عنه في الحرم أو ثمنها ليشتري بها ثم يتحلل، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر. والقارن يبعث شاتين، وإذا تحلل المحصر بالحج فعليه أحجة وعمرة، وعلى القارن حجة وعمرتان، وعلى المعتمر عمرة، فإن بعث ثم زال الإحصار، فإن قدر على إدراك الهدى والحج لم يتحلل ولزمه المضي، وإن قدر على أحدهما دون الآخر تحلل، ومن أحصر بمكة عن الوقوف وطواف الزيارة فهو محصر، وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر.
باب الحج عن الغير
ولا يجوز إلا عن الميت أو عن العاجز بنفسه عجزاً مستمراً إلى الموت، ومن حج عن غيره ينوي الحج عنه.
ويقول: لبيك بحجة عن فلان، ويجوز حج الصرورة والمرأة والعبد، ودم المتعة والقران والجنايات على المأمور، ودم الإحصار على الآمر، وإن جامع قبل الوقوف ضمن النفقة وعليه الدم، وما فضل من النفقة يرده إلى الوصي أو الورثة أو الآمر، ومن أوصى أن يحج عنه فهو على الوسط وهو ركوب الزاملة، ويحجون عن الميت من منزله، فإن لم تبلغ النفقة فمن حيث تبلغ.
باب الهدي
وهو من الإبل والبقر والغنم، ولا يجزئ ما دون الثني إلا الجذع من الضأن، ولا يذبح هدى التطوع والمتعة والقران إلا يوم النحر ويأكل منها، ويذبح بقية الهدايا متى شاء ولا يأكل منها، ولا يذبح الجميع إلا في الحرم، والأولى أن يذبح بنفسه إذا كان يحسن الذبح، ويتصدق بجلالها وخطامها، ولا يعطي أجرة القصاب منها، ولا تجزئ العوراء ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك، ولا العجفاء التي لا تنقي ولا مقطوعة الأذن ولا العمياء، ولا التي خلقت بغير أذن، ولا مقطوعة الذنب، وإن ذهب البعض إن كان ثلثا فما زاد لا يجوز، وإن نقص عن الثلث يجوز، وتجوز الجماء والخصي والثولاء والجرباء، ولا يركب الهدى إلا عند الضرورة، فإن نقصت بركوبه ضمنه وتصدق به، وإن كان لها لبن لم يحلبها، وإن ساق هدياً فعطب في الطريق فإن كان تطوعاً فليس عليه غيره، وإن كان واجباً صنع به ما شاء وعليه بدله، ويقلد هدى التطوع والمتعة والقران دون غيرها.
كتاب البيوع
البيع ينعقد بالإيجاب والقبول بلفظي الماضي كقوله: بعت واشتريت وبكل لفظ يدل على معناهما وبالتعاطي.
وإذا أوجب أحدهما البيع فالآخر إن شاء قبل وإن شاء رد، وأيهما قام قبل القبول بطل الإيجاب، فإذا وجد الإيجاب والقبول لزمهما البيع بلا خيار مجلس، ولا بد من معرفة المبيع معرفةً نافيةً للجهالة، ولا بد من معرفة مقدار الثمن وصفته إذا كان في الذمة، ومن أطلق الثمن فهو على غالب نقد البلد. ويجوز بيع الكيلي والوزني كيلاً ووزناً ومجازفةً؛ ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز في قفيز واحد، ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم لم يجز في شيء منها، والثياب كالغنم، فإن سمي جملة القفزان والذرعان والغنم جاز في الجميع؛ ومن باع داراً دخل مفاتيحها وبناؤها في البيع، وكذلك الشجر في بيع الأرض ويجوز بيع الثمرة قبل صلاحها، ويجب قطعها للحال، وإن شرط تركها على الشجر فسد البيع. ولا يجوز أن يبيع ثمرةً، ويستثني منها أرطالاً معلومةً. ويجوز بيع الحنطة في سنبلها، والباقلاء في قشره ويجوز بيع الطريق وهبته، ولا يجوز ذلك في المسيل.
ومن باع سلعةً بثمن سلمه أولاً، إلا أن يكون مؤجلاً؛ وإن باع سلعةً بسلعة أو ثمناً بثمن سلما معا، ولا يجوز بيع المنقول قبل القبض، ويجوز بيع العقار قبل القبض، ويجوز التصرف في الثمن قبل قبضه، وتجوز الزيادة في الثمن والسلعة والحط من الثمن، ويلتحق بأصل العقد؛ ومن باع بثمن حال ثم أجله صح، ومن ملك جاريةً يحرم عليه وطؤها ودواعيه حتى يستبرئها بحيضة أو شهر أو وضع حمل؛ ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع معلماً كان أو غير معلم، وأهل الذمة في البيع كالمسلمين، ويجوز لهم بيع الخمر والخنزير؛ ويجوز بيع الأخرس، وسائر عقوده بالإشارة المفهومة؛ ويجوز بيع الأعمى وشراؤه، ويثبت له خيار الرؤية، ويسقط خياره بجس المبيع أو بشمه أو بذوقه، وفي العقار بوصفه.
فصل
الإقالة جائزة، وتتوقف على القبول في المجلس، وهي فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق ثالث، وهلاك المبيع يمنع صحة الإقالة، وهلاك بعضه يمنع بقدره، وهلاك الثمن لا يمنع.
باب الخيارات
خيار الشرط جائز للمتبايعين ولأحدهما ثلاثة أيام فما دونها ولا يجوز أكثر من ذلك، ومن له الخيار لا يفسخ إلا بحضرة صاحبه، وله أن يجيز بحضرته وغيبته، وخيار الشرط لا يورث؛ ومن اشترى عبداً على أنه خباز فكان بخلافه، فإن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده؛ وخيار البائع لا يخرج المبيع عن ملكه، وخيار المشتري يخرجه ولا يدخله في ملكه ومن شرط الحيار لغيره جاز ويثبت لهما، وأيهما أجاز جاز وأيهما فسخ انفسخ، ويسقط الخييار بمضي المدة، وبكل ما يدل على الرضا كالركوب والوطء والعتق ونحوه.
فصل
ومن اشترى ما لم يره جاز، وله خيار الرؤية؛ ومن باع ما لم يره فلا خيار له، ويسقط برؤية ما يوجب العلم بالمقصود كوجه الآدمي ووجه الدابة وكفلها، ورؤية الثوب مطوياً ونحوه، فإن تصرف فيه تصرفاً لازماً، أو تعيب في يده، أو تعذر رد بعضه، أو مات بطل الخيار، ولو رأى بعضه فله الخيار إذا رأى باقيه، وما يعرض بالأنموذج رؤية بعضه كرؤية كله؛ ومن باع ملك غيره فالمالك إن شاء رده وإن شاء أجاز إذا كان المبيع والمتبايعان بحالهم.
فصل
مطلق البيع يقتضي سلامة المبيع، وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب، وإذا اطلع المشتري على عيب فإن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن، وإن شاء رده، والإباق والسرقة والبول في الفراش ليس بعيب في الصغير الذي لا يعقل، وعيب في الذي يعقل، ويرد به إلا أن يوجد عند المشتري بعد البلوغ وانقطاع الحيض عيب، والاستحاضة عيب، والبخر والدفر والزنا عيب في الجارية دون الغلام، والشيب والكفر والجنون عيب فيهما، وإن وجد المشتري عيباً وحدث عنده عيب آخر رجع بنقصان العيب ولا يرده إلا برضا البائع.
وإن صبغ الثوب أو خاطه، أو لت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه، وإن مات العبد أو أعتقه رجع بنقصان العيب، فإن قتله أو أكل الطعام لم يرجع، ومن شرط البراءة من كل عيب فليس له الرد أصلاً، وإذا باعه المشتري ثم رد عليه بعيب إن قبله بقضاء رده على بائعه، وإن قبله بغير قضاء لم برده، ويسقط الرد بما يسقط به خيار الشرط.
باب البيع الفاسد
وهو يفيد الملك بالقبض، ولكل واحد من المتعاقدين فسخه، ويشترط قيام المبيع حالة الفسخ، فإن باعه أو أعتقه أو وهبه بعد القبض جاز، وعليه قيمته يوم قبضه إن كان من ذوات القيم، أو مثله إن كان مثليا، والباطل لا يفيد الملك ويكون أمانةً في يده، وبيع الميتة والدم والخمر والخنزير والحر وأم الولد والمدبر والجمع بين حر وعبد وميتة وذكية باطل، وبيع المكاتب باطل إلا أن يجيزه فيجوز، وبيع السمك والطير قبل صيدهما، والآبق والحمل والنتاج واللبن في الضرع، والصوف على الظهر، واللحم في الشاة، وجذع في سقف، وثوب من ثوبين فاسد، وبيع المزابنة والمحاقلة فاسد، ولو باع عيناً على أن يسلمها إلى رأس الشهر فهو فاسد، وبيع جارية إلا حملها فاسد ولو باعه جاريةً على أن يستولدها المشتري أو يعتقها أو يستخدمها البائع أو يقرضه المشتري دراهم أو ثوباً على أن يخيطه البائع فهو فاسد، ولا يجوز بيع النحل إلا مع الكوارات، ولا دود القز إلا مع القز، والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود إذا جهلا ذلك فاسد، والبيع إلى الحصاد والقطاف والدياس وقدوم الحاج فاسد، وإن أسقطا الأجل قبله جاز، ومن جمع بين عبد ومدبر أو عبد الغير جاز في عبده بحصته.
ويكره البيع عند أذان الجمعة، وكذا بيع الحاضر للبادي، وكذا السوم على سوم أخيه، وكذا النجس، وتلقى الجلب مكروه ويجوز البيع؛ ومن ملك صغيرين أو صغيراً وكبيراً أحدهما ذو رحم محرم من الآخر كره له أن يفرق بينهما، ولا يكره في الكبيرين.
باب التولية
التولية بيع بالثمن الأول، والمرابحة بزيادة، والوضيعة بنقيصة، ولا يصح ذلك حتى يكون الثمن الأول مثلياً أو في ملك المشتري.
ويجوز أن يضم إلى الثمن الأول أجرة الصبغ والطراز وحمل الطعام والسمسار وسائق الغنم ويقول: قام علي بكذا، ولا يضم نفقته وأجرة الراعي والطبيب والمعلم والرايض وجعل الآبق وكراه، فإن علم بخيانة في التولية أسقطها من الثمن؛ وفي المرابحة إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده.
باب الربا
وعلته عندنا الكيل أو الوزن مع الجنس.
فإذا وجدا حرم التفاضل والنساء، وإذا عدما حلا، وإذا وجد أحدهما خاصةً حل التفاضل وحرم النساء، وجيد مال الربما ورديئه عند المقابلة بجنسه سواء، وما ورد النص بكيله فهو كيلي أبداً، وما ورد بوزنه فوزني أبداً؛ وعقد الصرف يعتبر فيه قبض عوضيه في المجلس، وما سواه من الربويات يكفي فيه التعيين؛ ويجوز بيع فلس بفلسين بأعيانهما، ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق ولا بالنخالة، ولا الدقيق بالسويق، ويجوز بيع الرطب بالرطب وبالتمر متماثلاً، ويجوز بيع اللحم بالحيوان، ويجوز بيع الكرباس بالقطن، ولا يجوز بيع الزيت بالزيتون، ولا السمسم بالشيرج إلا بطريق الاعتبار، ولا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب، ويكره السفاتج.
باب السلم
كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، وما لا فلا وشرائطه: تسمية الجنس والنوع والوصف والأجل والقدر ومكان الإيفاء إن كان له حمل ومئونة، وقدر رأس المال في المكيل والموزون والمعدود، وقبض رأس المال قبل المفارقة، ولا يصح في المنقطع ولا في الجواهر، ولا في الحيوان ولحمه وأطرافه وجلوده، ويصح في السمك المالح وزنا، ولا يصح بمكيال بعينه لا يعرف مقداره، ولا في طعام قرية بعينها، ويجوز في الثياب إذا سمى طولاً وعرضاً ورقعةً، وفي اللبن إذا عين الملبن، ولا يجوز التصرف في المسلم فيه قبل القبض ولا في رأس المال قبل القبض وإذا استصنع شيئاً جاز استحساناً، وللمشتري خيار الرؤية، وللصانع بيعه قبل الرؤية، وإن ضرب له أجلاً صار سلما.
باب الصرف
وهو بيع جنس الأثمان بعضه ببعض، ويستوي في ذلك مضروبهما ومصوغهما وتبرهما، فإن باع فضةً بفضة أو ذهباً بذهب لم يجز إلا مثلاً بمثل يداً بيد، ولا اعتبار بالصياغة والجودة، فإن باعها مجازفةً ثم عرف التساوي في المجلس جاز وإلا فلا، ويجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً ومجازفةً مقابضةً، ويجوز بيع درهمين ودينار بدينارين ودرهم وبيع أحد عشر درهماً بعشرة ودينار، ومن باع سيفاً محلىً بثمن أكثر من قدر الحلية جاز ولا بد من قبض قدر الحلية قبل الافتراق.
وإن باع إناء فضة، أو قطعة نقرة، فقبض بعض الثمن ثم افترقا صار شركةً بينهما، فإن استحق بعض الإناء، فإن شاء المشتري أخذ الباقي بحصته، وإن شاء رده، ولو استحق بعض القطعة أخذ الباقي بحصته ولا خيار له؛ ويجوز البيع بالفلوس، فإن كانت كاسدةً عينها، وإن كانت نافقةً لم يعينها، فإن باع بها ثم كسدت بطل البيع؛ ومن أعطى صيرفياً درهماً وقال: أعطني به فلوساً ونصفا إلا حبةً جاز.
كتاب الشفعة
ولا شفعة إلا في العقار، وتجب في العقار سواء كان مما يقسم أو مما لا يقسم، وتجب إذا ملك العقار بعوض هو مال، وتجب بعد البيع، وتستقر بالإشهاد، وتملك بالأخذ، والمسلم والذمي والمأذون والمكاتب ومعتق البعض سواء، وتجب للخليط في نفس المبيع ثم في حق المبيع، ثم للجار، وتقسم على عدد الرءوس، وإذا علم الشفيع بالبيع ينبغي أن يشهد في مجلس علمه على الطلب، فإن لم يشهد بعد التمكن منه بطلت، ثم يشهد على البائع إذا كان المبيع في يده أو على المشتري أو عند العقار، ولا تسقط بالتأخير، وإذا طلب الشفيع الشفعة عند الحاكم سأل الحاكم المدعي عليه، فإن اعترف بملكه الذي يشفع به، أو قامت عليه بينة، أو نكل عن اليمين أنه ما يعلم به ثبت ملكه، وللشفيع أن يخاصم البائع إذا كان المبيع في يده، ولا يسمع القاضي البينة إلا بحضرة المشتري، ثم يفسخ البيع ويجعل العهدة على البائع، وللشفيع أن يخاصم وإن لم يحضر الثمن، فإذا قضى له لزمه إحضاره، والوكيل بالشراء خصم في الشفعة حتى يسلم إلى الموكل، وعلى الشفيع مثل الثمن إن كان مثلياً وإلا قيمته، وإن حط البائع عن المشتري بعض الثمن سقط عن الشفيع، فإن حط النصف ثم النصف أخذها بالنصف الأخير، وإن زاد المشتري في الثمن لا يلزم الشفيع، وإن اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري، والبينة بينة الشفيع.
فصل
وتبطل الشفعة بموت الشفيع وتسليمه الكل أو البعض، وبصلحه عن الشفعة بعوض، وببيع المشفوع به قبل القضاء بالشفعة، وبضمان الدرك عن البائع، وبمساومته المشتري بيعا وإجارةً، ولا تبطل بموت المشتري؛ ولا شفعة لوكيل البائع، ولوكيل المشتري الشفعة، وإذا قيل للشفيع إن المشتري فلان فسلم ثم تبين أنه غيره فله الشفعة، وإذا قيل له إنها بيعت بألف فسلم ثم تبين أنها بيعت بأقل أو بمكيل أو موزون فهو على شفعته، ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة قبل وجوبها، ومن باع سهما ثم باع الباقي فالشفعة في السهم الأول لا غير، وإن اشتراها بثمن مؤجل فالشفيع إن شاء أداه حالاً، وإن شاء بعد الأجل ثم يأخذ الدار، وإذا قضى للشفيع وقد بنى المشتري فيها، فإن شاء أخذها بقيمة البناء وإن شاء كلف المشتري قلعه؛ ولو بنى الشفيع ثم استحقت رجع بالثمن لا غير، وإذا خربت الدار أو جف الشجر فالشفيع إن شاء أخذ الساحة بجميع الثمن، وإن شاء ترك؛ وإن نقض المشتري البناء فالشفيع إن شاء أخذ العرصة بحصتها، وإن شاء ترك، وإن اشترى نخلاً عليه ثمر فهو للشفيع، فإذا جده المشتري نقص حصته من الثمن.
كتاب الإجارة
وهي بيع المنافع، جوزت على خلاف القياس لحاجة الناس، ولا بد من كون المنافع والأجرة معلومةً، وما صلح ثمنا صلح أجرةً، وتفسد بالشروط، ويثبت فيها خيار الرؤية والشرط والعيب، وتقال وتفسخ والمنافع تعلم بذكر المدة كسكنى الدار، وزرع الأرضين مدةً معلومةً أو بالتسمية كصبغ الثوب، وخياطته، وإجارة الدابة لحمل شيء معلوم أو ليركبها مسافةً معلومةً أو بالإشارة كحمل هذا الطعام؛ وإن استأجر داراً أو حانوتا فله أن يسكنها ويسكنها من شاء ويعمل فيها ما شاء إلا القصارة والحدادة والطحن؛ وإن استأجر أرضاً للزراعة بين ما يزرع فيها، أو يقول على أن يزرعها ما شاء، وهكذا ركوب الدابة ولبس الثوب إلا أنه إذا لبس أو ركب واحد تعين؛ وإذا استأجر أرضاً للبناء والغرس فانقضت المدة يجب عليه تسليمها فارغةً كما قبضها، والرطبة كالشجر، فإن كانت الأرض تنقص بالقلع يغرم له الآجر قيمة ذلك مقلوعا ويتملكه، وإن كانت الأرض لا تنقص، فإن شاء صاحب الأرض أن يضمن له القيمة ويتملكه فله ذلك برضا صاحبه، أو يتراضيان فتكون الأرض لهذا والبناء لهذا، وإن سمى على الدابة كقفيز حنطة فله أن يحمل ما هو مثله أو أخف كالشعير، وليس له أن يحمل ما هو أثقل كالملح، وإن زاد على المسمى فعطبت ضمن بقدر الزيادة، وإن سمى قدراً من القطن فليس له أن يحمل مثل وزنه حديداً، وإن استأجرها ليركبها فأردف آخر ضمن النصف، فإن ضربها فعطبت ضمنها.
فصل
الأجراء: مشترك كالصباغ والقصار، ولا يستحق الأجرة حتى يعمل، والمال أمانة في يده، إلا أن يتلف بعمله، كتخريق الثوب من دقه، وزلق الحمال، وانقطاع الحبل من شده ونحو ذلك، إلا أنه لا يضمن الآدمي إذا غرق في السفينة من مده، أو سقط من الدابة بسوقه وقوده، ولا ضمان على الفصاد والبزاغ إلا أن يتجاوز الموضع المعتاد، وخاص كالمستأجر شهراً للخدمة ورعى الغنم ونحوه، ويستحق الأجرة بتسليم نفسه وإن لم يعمل، ولا يضمن ما تلف في يده ولا بعمله إذا لم يتعمد الفساد، ومن استأجر عبداً فليس له أن يسافر به إلا أن يشرطه.
والأجرة تستحق باستيفاء المعقود عليه، أو باشتراط التعجيل أو بتعجيلها، وإذا تسلم العين المستأجرة فعليه الأجرة وإن لم ينتفع بها، فإن غصبت منه سقط الأجر، ولرب الدار أن يطالب بأجرة كل يوم، والحمال بأجرة كل مرحلة، وتمام الخبز إخراجه من التنور، وتمام الطبخ غرفه، وتمام ضرب اللبن إقامته، ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والخياط والقصار يحبسها حتى يستوفي الأجر، فإن حبسها فضاعت لا شيء ولا أجر له عليه، ومن لا أثر لعمله كالحمال والغسال ليس له ذلك، وإذا شرط على الصانع العمل بنفسه ليس له أن يستعمل غيره، وإن قال: إن سكنت هذا الحانوت عطاراً فبدرهم، وحداداً بدرهمين جاز، وأي العملين عمل استحق المسمى له .
فصل
وإذا فسدت الإجارة يجب أجر المثل، ولا يزاد على المسمى، وإذا استأجروا داراً كل شهر بدرهم صح في شهر واحد وفسد في بقية الشهور إلا أن يسمى شهوراً معلومةً، فإذا تم الشهر فلكل واحد منهما نقض الإجارة، فإن سكن ساعةً في الشهر الثاني صح العقد فيه، وكذلك كل شهر سكن أوله؛ ومن استأجر جملاً ليحمل له محملاً إلى مكة جاز وله المعتاد من ذلك، وإن استأجره لحمل الزاد فأكل منه فله أن يرد عوضه، ويجور استئجار الظئر بأجرة معلومة، ويجوز بطعامها وكسوتها، ولا يمنع زوجها من وطئها، ولا تجوز الإجارة على الطاعات كالحج والأذان والإمامة وتعليم القرآن والفقه، وبعض أصحابنا المتأخرين قال: يجوز على التعليم والإمامة في زماننا، وعليه الفتوى، ولا تجوز على المعاصي كالغناء والنوح ونحوهما، ولا على عسب التيس، وتجوز أجرة الحجام والحمام؛ ومن استأجر دابةً ليحمل عليها طعاماً منه فهو فاسد، ولو قال: أمرتك أن تخيطه قباءً، وقال الخياط قميصاً، فالقول لصاحب الثوب ويحلف، فإذا حلف فالخياط ضامن؛ ولو قال: خطته بغير أجر، وقال الصانع بأجر، فإن كان قبل العمل يتحالفان ويبدأ بيمين المستأجر، وإن كان بعد العمل فالقول لصاحب الثوب، وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة أو ماء الرحى انفسخ العقد، ولو مات أحدهما وقد عقدها لنفسه انفسخت، وإن عقدها لغيره لم تنفسخ.
وتفسخ الإجارة بالعذر، كمن استأجر حانوتا ليتجر فأفلس، أو آجر شيئاً، ثم لزمه دين ولا مال له سواه؛ وكذلك إن استأجر دابةً للسفر فبدا له تفسخ الإجارة، وإن بدا للمكاري فليس بعذر.
كتاب الرهن
وهو عقد وثيقة بمال مضمون بنفسه يمكن استيفاؤه منه، ولا يتم إلا بالقبض أو بالتخلية، وقبل ذلك إن شاء سلم وإن شاء لا، ولا يصح إلا محوزاً مفرغا متميزاً، فإذا قبضه المرتهن دخل في ضمانه، ويهلك على ملك الراهن حتى يكفنه، ويصير المرتهن مستوفيا من ماليته قدر دينه حكما والفاضل أمانة، وإن كان أقل سقط من الدين بقدره، وتعتبر القيمة يوم القبض، فإن أودعه أو تصرف فيه ببيع أو إجارة أو إعارة أو رهن ونحوه ضمنه بجميع قيمته، ونفقة الرهن وأجرة الراعي على الراهن ونماؤه له، ويصير رهنا مع الأصل، إلا أنه إن هلك يهلك بغير شيء، وإن بقي النماء وهلك الأصل افتكه بحصته، يقسم الدين على قيمته يوم الفكاك وقيمة الأصل يوم القبض وتسقط حصة الأصل، وتجوز الزيادة في الرهن ولا تجوز في الدين ولا يصير الرهن رهنا بهما، وأجرة مكان الحفظ على المرتهن، وله أن يحفظه بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله، وليس له أن ينتفع بالرهن، فإن أذن له الراهن فهلك حالة الاستعمال هلك أمانةً.
ويصح رهن الدراهم والدنانير، فإن رهنت بجنسها فهلكت سقط مثلها من الدين، وكذلك كل مكيل وموزون، وإن اختلفا في الجودة والرداءة؛ ويصح برأس مال السلم وبدل الصرف، فإن هلك قبل الافتراق تم الصرف والسلم وصار مستوفيا، وإن افترقا والرهن قائم بطلا؛ ويصح بالدين الموعود، فإن هلك هلك بما سمى. ومن اشترى شيئا على أن يرهن بالثمن شيئا بعينه فامتنع لم يجبر، والبائع إن شاء ترك الرهن، وإن شاء رد البيع، إلا أن يعطيه الثمن حالاً، أو يعطيه رهنا مثل الأول، وإن رهن عبدين بدين فقضى حصة أحدهما فليس له أخذه حتى يقضي باقي الدين، وإن رهن عينا عند رجلين جاز، والمضمون على كل واحد منهما حصة دينه، فإن أوفى أحدهما فجميعها رهن عند الآخر، وللمرتهن مطالبة الراهن وحبسه بدينه وإن كان الرهن في يده، وليس على المرتهن أن يمكنه من بيعه لقضاء الدين.
فصل
فإذا باع الراهن الرهن فهو موقوف على إجازة المرتهن أو قضاء دينه، وإن أعتق العبد الرهن نفذ عتقه، فيطالب بأداء الدين إن كان حالاً، وإن كان مؤجلاً رهن قيمة العبد، وإن كان معسراً سعى العبد في الأقل من قيمته والدين، ويرجع على المولى إذا أيسر، وإن استهلكه أجنبي فالمرتهن يضمنه قيمته يوم هلك، وليس له أن ينتفع بالرهن، فإن أعاره المرتهن فقبضه الراهن خرج من ضمانه، فلو هلك في يد الراهن هلك بغير شيء، وإن وضعاه على يد عدل جاز، وإن شرطا ذلك في العقد فليس لأحدهما أخذه، ويهلك من ضمان المرتهن، ويجوز أن يوكل المرتهن وغيره على بيع الرهن، فإن شرطها في عقد الرهن لم ينعزل بموت الراهن ولا بعزله؛ وإذا مات الراهن باع وصيه الرهن وقضى الدين، فإن لم يكن له وصي نصب القاضي من يفعل ذلك؛ ومن استعار شيئاً ليرهنه جاز، وإن لم يسم ما يرهنه به، فإن عين ما يرهنه به فليس له أن يزيد عليه ولا ينقص.
كتاب القسمة
معنى الإفراز فيما لا يتفاوت أظهر كالمكيل والموزون، ومعنى المبادلة فيما يتفاوت أظهر كالحيوان والعقار، إلا أنه يجبر الممتنع منهما على القسمة إذا اتحد الجنس، ولا يجبر عند اختلاف الجنس، ولو اقتسموا بأنفسهم جاز، ويقسم على الصبي وصيه أو وليه؛ وينبغي للقاضي أن ينصب قاسماً عدلاً مأمونا عالما بالقسمة يرزقه من بيت المال، أو يقدر له أجراً يأخذه من المتقاسمين، وهو على عدد رءوسهم، ولا يجبر الناس على قاسم واحد، ولا يترك القسام يشتركون. جماعة في أيديهم عقار طلبوا من القاضي قسمته، وادعوا أثه ميراث لم يقسمه حتى يقيموا البينة على الوفاة وعدد الورثة، فإن حضر وارثان فأقاما البينة على الوفاة وعدد الورثة ومعهما وارث غائب قسمه بينهم إلا أن يكون العقار في يد الغائب، وفي الشراء لا يقسمه إلا بحضرة الجميع، وإن حضر وارث واحد لم يقسم وإن أقام البينة.
وإذا طلب أحد الشركاء القسمة وكل منهم ينتفع بنصيبه قسم بينهم، وإن كانوا يستضرون لا يقسم، وإن كان أحدهما ينتفع بنصيبه والآخر يستضر قسم بطلب المنتفع، ولا يقسم الجوهر والرقيق والحمام والحائط والبئر بين دارين والرحى إلا بتراضيهم، ويقسم كل واحد من الدور والأراضي والحوانيت وحده، وتقسم البيوت قسمةً واحدةً، ويقسم سهمين من الغلو بسهم من السفل، ولا تدخل الدراهم في القسمة إلا بتراضيهم.
فصل
ينبغي للقاسم أن يقرع بينهم، فمن خرج اسمه على سهم أخذه، وليس لأحدهم الرجوع إذا قسم القاضي أو نائبه، فإن كان في نصيب أحدهم مسيل أو طريق لغيره لم يشرط، فإن أمكن صرفه عنه صرفه وإلا فسخت القسمة، وإذا شهدوا عليهم ثم ادعى أحدهم أن من نصيبه شيئاً في يد صاحبه لم تقبل إلا ببينة، وتقبل شهادة القاسمين على ذلك، وإن قال: قبضته ثم أخذه منى فبينته أو يمين خصمه، وإن قال ذلك قبل الإشهاد تحالفا وفسخت القسمة، وإن استحق بعض نصيب أحدهم رجع في نصيب صاحبه بقسطه.
فصل
المهايأة جائزة استحسانا، ولا تبطل بموتهما ولا بموت أحدهما، ولو طلب أحدهما القسمة بطلت، وتجوز في دار واحدة بأن يسكن كل منهما طائفةً أو أحدهما علوها والآخر سفلها، ولكل واحد منهما إجارة ما أصابه وأخذ غلته، وتجوز في عبد واحد يخدم هذا يوما وهذا يوما، وكذا في البيت الصغير، وفي عبدين يخدم كل واحد واحداً، فإن شرطا طعام العبد على من يخدمه جاز، وفي الكسوة لا يجوز، ولا تجوز في غلة عبد ولا عبدين، ولا في ركوب دابة ولا دابتين، ولا في ثمرة الشجرة، ولا في لبن الغنم وأولادها، وتجوز في عبد ودار على السكنى والخدمة، وكذلك كل مختلفي المنفعة
كتاب أدب القاضي
القضاء بالحق من أقوى الفرائض وأشرف العبادات، والأولى أن يكون القاضي مجتهداً، فإن لم يوجد فيجب أن يكون من أهل الشهادة موثوقا به في دينه وأمانته وعقله وفهمه، عالماً بالفقه والسنة، وكذلك المفتي، ولا يطلب الولاية ويكره الدخول فيه لمن يخاف العجز عن القيام به، ولا بأس به لمن يثق من نفسه أداء فرضه، ومن تعين له تفترض عليه الولاية، ويجوز التقليد من ولاة الجور، ويجوز قضاء المرأة فيما تقبل شهادتها فيه، فإذا قلد القضاء يطلب ديوان القاضي الذي قبله، وينظر في خرائطه وسجلاته، وعمل في الودائع وارتفاع الوقوف بما تقوم به البينة أو باعتراف من هو في يده، ولا يعمل بقول المعزول إلا أن يكون هو الذي سلمها إليه، ويجلس للقضاء جلوسا ظاهراً في المسجد والجامع أولى، ويتخذ مترجما وكاتبا عدلاً مسلماً له معرفة بالفقه، ويسوي بين الخصمين في الجلوس والإقبال والنظر والإشارة، ولا يسار أحدهما ولا يلقنه حجته، ولا يضحك لأحدهما، ولا يمازحهما، ولا أحدهما، ولا يضيف أحدهما دون الآخر، ولا يقبل هدية أجنبي لم يهد له قبل القضاء، ولا يحضر دعوةً إلا العامة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، فإن حدث له هم، أو نعاس، أو غضب، أو جوع، أو عطش، أو حاجة حيوانية كف عن القضاء.
ولا يبيع ولا يشتري في المجلس لنفسه، ولا يستخلف على القضاء إلا أن يفوض إليه ذلك، ولا يقضي على غائب إلا أن يحضر من يقوم مقامه، أو ما يكون ما يدعيه على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر.
وإذا رفع إليه قضاء قاض أمضاه، إلا أن يخالف الكتاب أو السنة المشهورة أو الإجماع، ولا يجوز قضاوه لمن لا تقبل شهادته له، ويجوز لمن قلده وعليه؛ وإذا علم بشيء من حقوق العباد في زمن ولايته ومحلها جاز له أن يقضي به. والقضاء بشهادة الزور ينفذ ظاهراً وباطنا في العقود، والفسوخ: كالنكاح، والطلاق، والبيع، وكذلك الهبة، والإرث.
وإذا ثبت الحق للمدعي وسأله حبس غريمه لم يحبسه وأمره بدفع ما عليه، فإن امتنع حبسه، فإن اقر أنه معسر خلى سبيله، وإن قال المدعي: هو موسر وهو يقول: أنا معسر، فإن كان القاضي يعرف يساره، أو كان الدين بدل مال كالثمن والقرض، أو التزمه كالمهر والكفالة وبدل الخلع ونحوه حبسه، ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا ادعى الفقر، إلا أن تقوم البينة أن له مالاً فيحبسه، فإذا حبسه مدةً يغلب على ظنه أنه لو كان له مال أظهره، وسأل عن حاله فلم يظهر له مال خلى سبيله؛ وإن قامت البينة على يساره أبد حبسه، ويحبس الرجل في نفقة زوجته، ولا يحبس والد في دين ولده إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه.
فصل
يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة، وفي النكاح والدين والغصب والأمانة المجحودة والمضاربة وفي النسب وفي العقار، ولا يقبل في المنقولات؛ وعن محمد أنه يقبل في جميع المنقولات، وعليه الفتوى، ولا يقبل إلا بينة أنه كتاب فلان القاضي، ولا بد أن يكتب إلى معلوم فإن شاء قال بعد ذلك: وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وإلا فلا، ويقرأ الكتاب على الشهود، ويعلمهم بما فيه، ويختمه بحضرتهم ويحفظوا ما فيه، وتكون أسماؤهم داخل الكتاب بالأب والجد؛ وأبو يوسف لم يشترط شيئا من ذلك لما ابتلى بالقضاء واختاره السرخسي وليس الخبر كالعيان، فإذا وصل إلى القاضي المكتوب إليه نظر في ختمه، فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه، وقرأه علينا وختمه وفتحه وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه ولا يقبله إلا بحضرة الخصم، فإن مات الكاتب، أو عزل، أو خرج عن أهلية القضاء قبل وصول كتابه بطل، وإن مات المكتوب إليه بطل، إلا أن يكون قال بعد اسمه: وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين، وإن مات الخصم نفذ على ورثته، وإن لم يكن الخصم في بلد المكتوب إليه وطلب الطالب أن يسمع بينته ويكتب له كتابا إلى قاضي البلد الذي فيه خصمه كتب له، ويكتب في كتابه نسخة الكتاب الأول أو معناه.
فصل
حكما رجلاً ليحكم بينهما جاز، ولا يجوز التحكيم فيما يسقط بالشبهة، ويشترط أن يكون من أهل القضاء، وله أن يسمع البينة ويقضي بالنكول والإقرار، فإذا حكم لزمهما، ولكل واحد منهما الرجوع قبل الحكم، وإن رفع حكمه إلى قاض أمضاه إن وافق مذهبه، وأبطله إن خالفه، ولا يجوز حكمه لمن لا تقبل شهادته له.
كتاب الحجر
وأسبابه: الصغر والجنون والرق، ولا يجوز تصرف المجنون والصبي الذي لا يعقل أصلاً، وتصرف الذي يعقل إن أجازه وليه، أو كان أذن له يجوز، والعبد كالصبي الذي يعقل؛ والصبي والمجنون لا يصح عقودهما وإقرارهما وطلاقهما وعتاقهما، وإن أتلفا شيئا لزمهما، وأقوال العبد نافذة في حق نفسه، فإن أقر بمال لزمه بعد عتقه، وإن أقر بحد أو قصاص أو طلاق لزمه في الحال، وبلوغ الغلام بالاحتلام، أو الإحبال، أو الإنزال، أو بلوغ ثماني عشرة سنة. والجارية بالاحتلام، أو الحيض، أو الحبل، أو بلوغ سبع عشرة سنةً؛ وإذا راهقا وقالا بلغنا صدقا، ولا يحجر على الحر العاقل البالغ وإن كان سفيها ينفق ماله فيما لا مصلحة له فيه، ثم إذا بلغ غير رشيد لا يسلم إليه ماله، فإذا بلغ خمسا وعشرين سنةً سلم إليه ماله، وإن لم يؤنس رشده وإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ، ولا يحجر على الفاسق، ولا على المديون، فإن طلب غرماؤه حبسه، حبسه حتى يبيع ويوفي الدين، فإن كان ماله دراهم أو دنانير والدين مثله قضاه القاضي بغير أمره، وإن كان أحدهما دراهم والآخر دنانير أو بالعكس باعه القاضي في الدين، ولا يبيع العروض ولا العقار، وقالا: يبيع وعليه الفتوى، وإن لم يظهر للمفلس مال فالحكم ما مر في أدب القاضي، ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس يلازمونه، ولا يمنعونه من التصرف والسفر، ويأخذون فضل كسبه يقتسمونه بينهم بالحصص.
كتاب المأذون
ويثبت بالصريح وبالدلالة كما لو رآه يبيع ويشتري فسكت، وسواء كان البيع للمولى أو لغيره بأمره أو بغير أمره صحيحا أو فاسداً، ويصير مأذونا بالإذن العام والخاص، ولو أذن له بشراء طعام الأكل وثياب الكسوة لا يصير مأذونا، وللمأذون أن يبيع ويشتري ويوكل ويبضع ويضارب ويعير ويرهن ويسترهن ويؤجر ويستأجر ويسلم ويقبل السلم ويزارع ويشتري طعاما ويزرعه ويشارك عنانا، ولو أقر بدين أو غصب أو وديعة جاز، ولا يتزوج، ولا يزوج مماليكه، ولا يكاتب، ولا يعتق، ولا يقرض، ولا يهب، ولا يتصدق، ولا يتكفل، ويهدي القليل من الطعام، ويضيف معامليه ويأذن لرقيقه في التجارة، وما يلزمه من الديون بسبب الإذن متعلق برقبته يباع فيه إلا أن يفديه المولى، فإن لم يف بالديون، فإن فداه المولى بديون الغرماء انقطع حقهم عنه، وإلا يباع ويقسم ثمنه بين الغرماء بالحصص، فإن بقي شيء طولب به بعد الحرية، وإن حجر المولى عليه لم ينحجر حتى يعلم أهل سوقه أو أكثرهم بذلك، وإن ولدت المأذونة من مولاها فهو حجر، والإباق حجر؛ ولو مات المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتداً صار محجوراً، ويصح إقراره بمال يده بعد الحجر، وإذا استغرقت الديون ماله ورقبته لم يملك المولى شيئا من ماله، وإن أعتقه نفذ وضمن قيمته للغرماء وما بقي فعلى العبد، ويجوز أن يبيعه المولى بمثل الثمن أو أقل، ويجوز أن يبيع من المولى بمثل الثمن أو أكبر.
كتاب الإكراه
ويعتبر فيه قدرة المكره على إيقاع ما هدده به، وخوف المكره عاجلاً، وامتناعه من الفعل قبل الإكراه لحقه أو لحق آدمي أو لحق الشرع، وأن يكون المكره به نفسا أو عضواً أو موجباً غماً ينعدم به الرضا، فلو أكره على بيع أو شراء أو إجارة أو إقرار بقتل أو ضرب شديد أو حبس ففعل ثم زال الإكراه، فإن شاء أمضاه، وإن شاء فسخه، وإن قبض العوض طوعا فهو إجازة، وإن قبضه مكرها فليس بإجازة، ويرده إن كان قائما، فإن هلك المبيع في يد المشتري وهو غير مكره فعليه قيمته، وللمكره أن يضمن المكره، وإن أكره على طلاق أو عتاق ففعل وقع ويرجع على المكره بقيمة العبد، والولاء للمعتق، وفي الطلاق بنصف المهر إن كان قبل الدخول وبما يلزمه من المتعة عند عدم التسمية، فإن أكره على شرب الخمر أو أكل الميتة أو على الكفر أو إتلاف مال مسلم أو ذمي بالحبس أو الضرب فليس بمكره، وإن أكرهه بإتلاف نفسه وسعه أن يفعل، وإن صبر حتى قتل كان مأجوراً، ولو أكره بالقتل على القتل لم يفعل ويصبر حتى يقتل، فإن قتل أثم والقصاص على المكره، وإن أكره على الردة لم تبن امرأته منه، ومن أكره على الزنا لا حد عليه.
كتاب الدعوى
المدعي من لا يجبر على الخصومة، والمدعي عليه من يجبر، ولا بد أن تكون الدعوى بشيء معلوم الجنس والقدر، فإن كان دينا ذكر أنه يطالبه به، وإن كان عينا كلف المدعي عليه إحضارها، فإن لم تكن حاضرةً ذكر قيمتها، وإن كان عقاراً ذكر حدوده الأربعة، وأسماء أصحابها ونسبهم إلى الجد، وذكر المحلة والبلد، ثم يذكر أنه في يد المدعي عليه وأنه يطالبه به، وإذا صحت الدعوى سأل القاضي المدعي عليه، فإن اعترف أو أقام المدعي بينةً قضى عليه، وإلا يستحلف، فإن حلف انقطعت الخصومة إلا أن تقوم البينة، وإن نكل يقضي عليه بالنكول، فإن قضى أول ما نكل جاز، والأولى أن يعرض عليه اليمين ثلاثا، ويثبت النكول بقوله لا أحلف، وبالسكوت إلا أن يكون به خرس أو طرش، ولا ترد اليمين على المدعي، وإن قال: لي بينة حاضرة في المصر وطلب يمين خصمه لم يستحلف ويأخذ منه كفيلاً بنفسه ثلاثة أيام، وإن كان غريبا يلازمه مقدار مجلس القاضي، ولا يستحلف في النكاح والرجعة والفئ في الإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء والحدود، ويستحلف في القصاص، فإن نكل اقتص منه في الأطراف، وفي النفوس يحبس حتى يحلف أو يقر، وإن ادعت عليه طلاقا قبل الدخول استحلف، فإن نكل قضى عليه بنصف المهر واليمين بالله تعالى لا غير، وتغلظ باوصافه إن شاء القاضي، ويحتاط من التكرار، ولا تغلظ بزمان ولا مكان، ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، والمجوسي بالله الذي خلق النار، والوثني بالله، ولا يحلفون في بيوت عباداتهم، فيحلفه في البيع بالله ما بينكما بيع قائم فيما ذكر، وفي النكاح ما بينكما نكاح قائم في الحال، وفي الطلاق ماهي بائن منك الساعة، وفي الوديعة ماله هذا الذي ادعاه في يدك وديعة ولا شيء منه، ولا له قبلك حق، وإذا قال المدعي عليه هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب، أو رهنه عندي، أو غصبته منه أو أعارني أو آجرني وأقام على ذلك بينةً فلا خصومة إلا أن يكون محتالاً، وإذا قال الشهود أودعه رجل لا نعرفه لم تندفع الخصومة.
فصل
بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد على مطلق الملك، وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ، وذو اليد على ملك أسبق منه تاريخا فذ واليد أولى، ولو أقاما البينة على النتاج أو على نسج ثوب لا يتكرر نسجه فبينة ذي اليد أولى، وإن أقام كل واحد البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ لهما تهاترتا، وإن ادعيا نكاح امرأة، وأقاما البينة لم يقض لواحد منهما، وإن وقتا فهي للأول، وإن ادعيا عينا في يد ثالث وأقام كل واحد منهما البينة أنها له قضى بها بينهما، وإن ادعى كل واحد منهما الشراء من صاحب اليد، وأقام البينة فإن شاء كل واحد منهما أخذ نصف العبد وإن شاء ترك، فإن ترك أحدهما فليس للآخر أخذ جميعه، وإن وقتا فهو للأول، وإن وقت أحدهما أو كان معه قبض فهو أولى، وإن ادعى أحدهما شراءً والآخر هبةً وقبضاً أو صدقةً وقبضاً ولا تاريخ لهما فالشراء أولى، وإن ادعى الشراء وادعت أنه تزوجها عليه فهما سواء، وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ، أو على الشراء من واحد أو من اثنين فأولهما أولى، وإن أرخ أحدهما فهو له، وإن تنازعا في دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل فهو أولى وكذلك إن كان راكبا في السرج والآخر رديفه أو لابس القميص والآخر متعلق به، وبينة النتاج والنسج أولى من بينة مطلق الملك، والبينة بشاهدين وثلاثة وأكثر سواء.
فصل
اختلفا في الثمن أو المبيع فأيهما أقام البينة فهو أولى، وإن أقاما البينة فالمثبتة للزيادة أولى، فإن لم تكن لهما بينة يقال للبائع: إما أن تسلم ما ادعاه المشتري من المبيع وإلا فسخنا البيع؛ ويقال للمشتري: إما أن تسلم ما ادعاه البائع من الثمن وإلا فسخنا البيع، فإن لم يتراضيا يتحالفان ويفسخ البيع ويبدأ بيمين البائع ولو كان البيع مقايضةً بدأ بأيهما شاء؛ ومن نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه، وإن اختلفا في الأجل أو شرط الخيار، أو استيفاء بعض الثمن لم يتحالفا، والقول قول المنكر، وإن اختلفا بعد هلاك المبيع لم يتحالفا، والقول قول المشتري؛ وإن اختلفا بعد هلاك بعض المبيع لم يتحالفا إلا أن يرضى البائع بترك حصة الهالك، وإن اختلفا في الإجارة قبل استيفاء شيء من المنفعة في البدل أو في المبدل يتحالفان ويترادان؛ وإن اختلفا بعد استيفاء جميع المنفعة لم يتحالفا والقول للمستأجر؛ وإن اختلفا بعد استيفاء بعض المنافع يتحالفان، ويفسخ العقد فيما بقي، والقول فيما مضى قول المستأجر؛ وإن اختلفا بعد الإقالة تحالفا وعاد البيع؛ وإن اختلفا في المهر فأيهما أقام البينة قبلت، وإن أقاما فبينته المرأة، فإن لم يكن لهما بينة تحالفا فأيهما نكل قضي عليه، وإذا تحالفا يحكم مهر المثل، فإن كان مثل ما قالت أو أكثر قضي بقولها، وإن كان مثل ما قال أو أقل قضي بقوله، وإن كان أقل مما قالت وأكثر مما قال قضي بمهر المثل؛ وإن اختلفا في متاع البيت فما يصلح للنساء فللمرأة، وما يصلح للرجال فللرجل؛ وإن مات أحدهما واختلفت ورثته مع الآخر، فما يصلح لهما فللباقي، وإن اختلفا في قدر الكتابة لم يتحالفا.
فصل
ولو باع جاريةً فولدت لأقل من ستة أشهر فادعاه فهو ابنه وهي أم ولده، ويفسخ البيع ويرد الثمن، ولا تقبا دعوة المشتري معه، فإن مات الولد ثم ادعاه لا يثبت الاستيلاد فيها، فإن ماتت الأم ثم ادعاه يثبت نسبه، ويرد كل الثمن، وإن جاءت به ما بين ستة أشهر إلى سنتين، فإن صدقه المشتري ثبت النسب وفسخ البيع وإلا فلا، وإن جاءت به لأكثر من سنتين لا تصح دعوة البائع، ولا يفسخ البيع، ولا يعتق الولد، ولا تصير أم ولد له، ومن ادعى نسب أحد التوأمين ثبت نسبهما منه.
كتاب الإقرار
وهو حجة على المقر إذا كان عاقلا بالغا إذا أقر لمعلوم، وسواء أقر بمعلوم أو مجهول ويبين المجهول، فإن قال له على شيء أو حق لزمه أن يبين ماله قيمة، فإن كذبه المقر له فيما بين فالقول للمقر مع يمينه، وإن أقر بمال لم يصدق في أقل من درهم، وإن قال: مال عظيم فهو نصاب من الجنس الذي ذكر، وقيمة النصاب في غير مال الزكاة، وإن قال: أموال عظام فثلاثة نصب، وإن قال: دراهم فثلاثة، وإن قال: كثيرة فعشرة، ولو قال: كذا درهما فدرهم، وكذا كذا أحد عشر، ولو ثلث فكذلك، ولو قال: كذا وكذا فأحد وعشرون، ولو ثلث بالواو تزاد مائة، ولو ربع تزاد ألف، وكذلك كل مكيل وموزون، ولو قال: مائة ودرهم فالكل دراهم، وكذا كل ما يكال ويوزن، ولو قال: مائة وثوب يلزمه ثوب واحد، وتفسير المائة إليه، وكذلك لو قال مائة وثوبان، ولو قال مائة وثلاثة أثواب فالكل ثياب، وإن قال له علي أو قبلي فهو دين وعندي ومعي وفي بيتي أمانة، ولو قال له آخر: لي عليك ألف فقال: اتزنها أو انتقدها أو أجلني بها أو قضيتكها أو أجلتك بها فهو إقرار، ولو لم يذكر هاء الكناية لا يكون إقرارا. ومن أقر بدين مؤجل وادعى المقر له أنه حال استحلف على الأجل، ومن أقر بخاتم لزمه الحلقة والفص، وبسيف النصل والجفن والحمائل، ومن أقر بثوب في منديل لزماه، ومن أقر بخمسة في خمسة لزمه خمسة وإن أراد الضرب، ولو قال له علي من درهم إلى عشرة، أو ما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة، ويجوز الإقرار بالحمل، وله إذا بين سببا صالحا للملك.
فصل
إذا استثنى بعض ما أقر به متصلا صح ولزمه الباقي، واستثناء الكل باطل، وإن قال متصلا باقراره إن شاء الله بطل إقراره، وكذلك إن علقه بمشيئة من لا تعرف مشيئته كالجن والملائكة، ومن أقر بمائة درهم إلا ديناراً، أو إلا قفير حنطة لزمه المائة إلا قيمة الدينار أو القفير، وكذلك كل ما يكال أو يوزن أو يعد، ولو استثنى ثوبا أو شاةً أو داراً لا يصح، ولو قال: غصبته من زيد لا بل من عمرو فهو لزيد وعليه قيمته لعمرو، ومن أقر بشيئين فاستثنى أحدهما أو أحدهما وبعض الآخر فالاستثناء باطل وإن استثنى بعض أحدهما أو بعض كل واحد منهما صح، ويصرف إلى جنسه، واستثناء البناء من الدار باطل؛ ولو قال: بناؤها لي والعرصة لفلان فكما قال؛ ولو قال له: على ألف من ثمن عبد لم أقبضه ولم يعينه لزمه الألف وإن عين، العبد، فإن سلمه إليه لزمته الألف وإلا فلا، وإن قال من ثمن خنزير أو خمر لزمته؛ ولو قال من ثمن متاع أو أقرضني ثم قال: هي زيوف أو نبهرجة، وقال المقر له: جياد فهي جياد؛ ولو قال: غصبتها منه أو أودعنيها صدق في الزيوف والنبهرجة، وفي الرصاص والستوقة إن وصل صدق وإلا فلا.
فصل
وديون الصحة وما لزمه في مرضه بسبب معروف مقدم على ما أقر به في مرضه، وما أقر به في مرضه مقدم على الميراث، وإقرار المريض لوارثه باطل، إلا أن يصدقه بقية الورثة؛ ومن طلق امرأته في مرضه ثلاثا ثم اقر لها ومات فلها الأقل من الإقرار والميراث، وإن أقر المريض لأجنبي ثم قال هو ابني بطل إقراره، وإن أقر لامرأة ثم تزوجها لم يبطل، ويصح إقرار الرجل بالولد والوالدين والزوجة والمولى إذا صدقوه، وكذلك المرأة إلا في الولد فإنه يتوقف على تصديق الزوج أو شهادة القابلة، ومن مات أبوه فأقر بأخ شاركه في الميراث، ولا يثبت نسبه.
كتاب الشهادات
من تعين لتحملها لا يسعه أن يمتنع إذا طولب، فإذا تحملها وطلب لأدائها يفترض عليه إلا أن يقوم الحق بغيره، وهو مخير في الحدود بين الشهادة والستر، والستر أفضل، ويقول في السرقة: أخذ المال، ولا يقول: سرق؛ ولا يقبل على الزنا إلا شهادة أربعة من الرجال، وباقي الحدود والقصاص شهادة رجلين، وما سواهما من الحقوق تقبل فيها شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، وتقبل شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والبكارة وعيوب النساء، وتقبل شهادتهن في استهلال الصبي في حق الصلاة دون الإرث، ولا بد من العدالة ولفظة الشهادة والحرية والإسلام، ويقتصر في المسلم على ظاهر عداله، إلا في الحدود والقصاص، فإن طعن فيه الخصم سأل عنه. وقالا: يسأل عنهم في جميع الحقوق سراً وعلانيةً، وعليه الفتوى، ولو اكتفى بالسر جاز، ولا بد أن يقول المزكي: هو عدل جائز الشهادة، ولا تقبل تزكية المدعي عليه، وتكفي تزكية الواحد.
ويجوز أن يشهد بكل ما سمعه أو أبصره من الحقوق والعقود، وإن لم يشهد عله إلا الشهادة على الشهادة فإنه لا يجوز أن يشهد على شهادة غيره ما لم يشهده، ولا يجوز أن يشهد بما لم يعاينه إلا النسب والموت والدخول والنكاح، وولاية القاضي، وأصل الوقف، ويجوز أن يشهد على الملك المطلق فيما سوى العبد والأمة، وإذا رأى الشاهد خطه لا يشهد ما لم يذكر الحادثة، وشاهد الزور يشهر ولا يعزر، وتعتبر موافقة الشهادة الدعوى، ويعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى، فلو شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل، ولو شهدا على سرقة بقرة واختلفا في لونها قطع، وإن اختلفا في الأنوثة والذكورة لم يقطع شهدا بقتل زيد يوم النحر بمكة وآخران بقتله يوم النحر بالكوفة ردتا، فإن سبقت إحداهما وقضى بها بطلت الأخرى.
ولا تقبل شهادة الأعمى، ولا المحدود في قذف وإن تاب، ولو حد الكافر في قذف ثم أسلم قبلت شهادته، ولا تقبل الشهادة للولد وإن سفل، ولا للوالد وإن علا، ولا لعبده، ولا لمكاتبه، ولا للزوج والزوجة، ولا أحد الشريكين للآخر فيما هو من شركتهما، ولا شهادة الأجير الخاص، ولا تقبل شهادة مخنث ولا نائحة، ولا من يغنى للناس، ولا مدمن الشرب على اللهو، ولا من يلعب بالطيور، ولا من يفعل كبيرةً توجب الحد، ولا من يأكل الربا، ولا من يقامر بالشطرنج ولا من يدخل الحمام بغير إزار، ولا من يفعل الأفعال المستخفة كالبول والأكل على الطريق، ولا من يظهر سب السلف، ولا شهادة العدو إن كانت العداوة بسبب الدنيا، وتقبل إن كانت بسبب الدين، وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ولا تقبل شهادة المستأمن على الذمي، وتقبل شهادة الذمي عليه، وتقبل شهادة الأقلف والخصي والخنثى وولد الزنا، والمعتبر حال الشاهد وقت الأداء لا وقت التحمل. وإذا كانت الحسنات أكثر من السيئات قبلت الشهادة.
فصل
تجوز الشهادة على الشهادة فيما لا يسقط بالشبهة، ولا تجوز شهادة واحد على شهادة واحد، ويجوز شهادة رجلين على شهادة رجلين. وصفة الإشهاد أن يقول الأصل: أشهد على شهادتي أني أشهد أن فلانا أقر عندي بكذا، ويقول الفرع عند الأداء: أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عنده بكذا، وقال لي: اشهد على شهادتي بذلك، ولا تقبل شهادة الفروع إلا إذا تعذر حضور الأصول مجلس الحكم، فإن عد لهم شهود الفرع جاز، وإن سكتوا عنهم جاز، وإذا أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة الفروع، والتعريف يتم بذكر الجد أو الفخذ، والنسبة إلى المصر والمحلة الكبيرة عامة، وإلى السكة الصغيرة خاصة.
باب الرجوع عن الشهادة
ولا يصح إلا في مجلس الحكم، فإن رجعوا قبل الحكم بها سقطت، وبعده لم يفسخ الحكم، وضمنوا ما أتلفوه بشهادتهم، فإن شهدا بمال فقضي به، وأخذه المدعي ثم رجعا ضمناه للمشهود عليه، فإن رجع أحدهما ضمن النصف، والعبرة في الرجوع لمن بقي لا لمن رجع، فلو كانوا ثلاثةً فرجع واحد لا شيء عليه، فإن رجع آخر ضمنا النصف، وإن شهد رجل وامرأتان فرجعت واحدة فعليها ربع المال، وإن رجعتا ضمنتا نصفه، ولو شهد رجل وعشر نسوة ثم رجعوا فعلي الرجل السدس وعليهن خمسة أسداسه، ولو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا فالضمان على الرجلين خاصةً. شهدا بنكاح بأقل من مهر المثل ثم رجعا لا ضمان عليهما، وإن كان بأكثر من مهر المثل ضمنا الزيادة للزوج، وفي الطلاق إن كان قبل الدخول ضمنا نصف المهر وإن كان بعده لم يضمنا وإذا رجع شهود القصاص ضمنوا الدية، وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا، وإن رجع شهود الأصل وقالوا: لم نشهد شهود الفرع لم يضمنوا، ولا ضمان على شهود الإحصان، وإن رجع شهود اليمين، وشهود الشرط فالضمان على شهود اليمين وإذا رجع المزكون ضمنوا.
كتاب الوكالة
ولا تصح حتى يكون الموكل ممن يملك التصرف وتلزمه الأحكام، والوكيل ممن يعقل العقد ويقصده، وكل عقد جاز أن يعقده بنفسه جاز أن يوكل به، فيجوز بالخصومة في جميع الحقوق وإيفائها واستيفائها إلا الحدود والقصاص فإنه لا يجوز استيفاؤها مع غيبة الموكل، ولا يجوز بالخصومة إلا برضاء الخصم، إلا أن يكون الموكل مريضاً أو مسافراً، وكل عقد يضيفه الوكيل إلى نفسه كالبيع والإجارة والصلح عن إقرار تتعلق حقوقه به من تسليم المبيع ونقد الثمن والخصومة في العيب وغير ذلك، إلا العبد والصبي المحجورين، فتجوز عقودهما، وتتعلق الحقوق بموكلبهما. وإذا سلم المبيع إلى الموكل لا يرده الوكيل بعيب إلا باذنه، وللمشتري أن يمتنع من دفع الثمن إلى الموكل، فإن دفعه إليه حاز، وكل عقد يضيفه إلى موكله فحقوقه تتعلق بموكله: كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد والعتق على مال والكتابة والصلح عن إنكار والهبة والصدقة والإعارة والإيداع والرهن والإقراض والشركة والمضاربة.
ومن وكل رجلاً بشراء شيء ينبغي أن يدكر صفته وجنسه أو مبلغ ثمنه، إلا أن يقول له ابتع لي ما رأيت؛ وإن وكله بشراء شيء بعينه ليس له أن يشتريه لنفسه، فإن اشتراه بغير النقدين أو بخلاف ما سمى له من جنس الثمن أو وكل آخر بشرائه وقع الشراء له، وإن كان بغير عينه فاشتراه فهو له، إلا أن يدفع الثمن من مال الموكل أو ينوي الشراء له، والوكيل في الصرف والسلم تعتبر مفارقته لا مفارقة الموكل، وإن دفع إليه دراهم ليشتري بها طعاما فهو على الحنطة ودقيقها؛ وقيل إن كانت كثيرةً فعلى الحنطة، وقليلةً فعلى الخبز، ومتوسطةً فعلى الدقيق؛ وإن دفع الوكيل الثمن من ملله فله حبس المبيع حتى يقبض الثمن، فإن حبسه وهلك فهو كالمبيع وإن وكله بشراء عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى عشرين مما يباع منه عشرة بدرهم لزم الموكل عشرة بنصف درهم. والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل وبالنسيئة وبالعرض، ويأخذ بالثمن رهنا وكفيلاً. ولا يصح ضمانه الثمن عن المشتري، والوكيل بالشراء لا يجوز شراؤه إلا بقيمة المثل وزيادة يتغابن فيها، وما لا يتغابن فيه في العروض، في العشرة زيادة نصف درهم، وفي الحيوان درهم، وفي العقار درهمين، ولو وكله ببيع عبد فباع نصفه جاز، وفي الشراء يتوقف، فإن اشترى باقيه قبل أن يختصما جاز. ولا يعقد الوكيل مع من لا تقبل شهادته له إلا أن يبيعه بأكثر من القيمة، وليس لأحد الوكيلين أن يتصرف دون رفيقه إلا في الخصومة والطلاق والعتاق بغير عوض، ورد الوديعة، وقضاء الدين، وليس للوكيل أن يوكل إلا باذن الموكل أو بقوله: اعمل برأيك، وإن وكل بغير أمره فعقد الثاني بحضرة الأول جاز، وللموكل عزل وكيله، ويتوقف على علمه، وتبطل الوكالة بموت أحدهما وجنونه جنونا مطبقا، ولحاقه بدار الحرب مرتدا. وإذا عجز المكاتب أو حجر على المأذون أو افترق الشريكان بطل توكيلهم، وإن لم يعلم به الوكيل؛ وإذا تصرف الموكل فيما وكل به بطلت الوكالة. والوكيل بقبض الدين وكيل بالخصومة فيه، والوكيل بالخصومة وكيل بالقبض خلافا لزفر، والفتوى على قول زفر، ولو أقر الوكيل على موكله عند القاضي نفذ، وإلا فلا. ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه وصدقه الغريم أمر بدفعه إليه، فإن جاء الغائب فإن صدقه وإلا دفع إليه ثانيا ورجع على الوكيل إن كان في يده، وإن كان هالكا لا يرجع إلا أن يكون دفعه إليه ولم يصدقه، وإن ادعى أنه وكيله في قبض الوديعة لم يؤمر بالدفع إليه وإن صدقه؛ ولو قال: مات المودع وتركها ميراثا له وصدقه أمر بالدفع إليه، ولو ادعى الشراء من المودع وصدقه لم يدفعها إليه.
كتاب الكفالة
وهي ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة، ولا تصح إلا ممن يملك التبرع، وتجوز بالنفس والمال، وتنعقد بالنفس بقوله: تكفلت بنفسه أو برقبته، وبكل عضو يعبر به عن البدن، وبالجزء الشائع كالخمس والعشر، وبقوله: ضمنته، وبقوله: علي، وإلي، وأنا زعيم، أو قبيل، والواجب إحضاره وتسليمه في مكان يقدر على محاكمته، فإذا فعل ذلك برئ، ولو سلمه في مصر آخر برئ، فإن شرط تسليمه في وقت معين لزمه إحضاره فيه إذا طلبه منه، فإن أحضره وإلا حبسه الحاكم، فإذا مضت المدة ولم يحضره حبسه، وإذا حبسه وثبت عند القاضي عجزه عن إحضاره خلى سبيله، وإذا لم يعلم مكانه لا يطالب به، وتبطل بموت الكفيل والمكفول به دون المكفول له؛ وإن تكفل به إلى شهر فسلمه قبل الشهر برأ، وإن قال: إن لم أوفك به فعلي الألف التي عليه فلم يوف به، فعليه الألف والكفالة باقية؛ والكفالة بالمال جائزة إذا كان دينا صحيحا حتى لا تصح ببدل الكتابة والسعاية والأمانات والحدود والقصاص، وإذا صحت الكفالة فالمكفول له إن شاء طالب الكفيل وإن شاء طالب الأصيل ولو شرط عدم مطالبة الأصيل فهي حوالة كما إذا شرط في الحوالة مطالبة المحيل تكون كفالةً، وتجوز بأمر المكفول عنه وبغير أمره، فإن كانت بأمره فأدى رجع عليه، وإن كانت بغير أمره لم يرجع عليه وإذا طولب الكفيل ولوزم طالب المكفول عنه ولازمه، وإن أدى الأصيل أو أبرأه رب الدين برأ الكفيل، وإن أبرئ الكفيل لم يبرإ الأصيل، وإن أخر عن الأصيل تأخر عن الكفيل وبالعكس لا؛ وإن قال الطالب للكفيل برئت إلي من المال رجع به على الأصيل، وإن قال: أبرأتك لم يرجع، ولا يصح تعليق البراءة منها بشرط، وتصح الكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها كالمقبوض على سوم الشراء والمغصوب والمبيع فاسداً؛ ولا تصح بالمضمونة بغيرها كالمبيع والمرهون ولا تصح إلا بقبول المكفول له في المجلس إلا إذا قال المريض لوارثه: تكفل بما علي من الدين، فتكفل والغريم غائب فيصح، ولو قال لأجنبي فيه اختلاف المشايخ؛ ولا تصح الكفالة عن الميت المفلس؛ ويجوز تعليق الكفالة بشرط ملائم كشرط وجوب الحق، وهو قوله: ما بايعت فلانا فعلي، أو ما ذاب لك عليه فعلي أو ما غصبك فعلي، أو بشرط إمكان الاستيفاء، كقوله: إن قدم فلان فعلي وهو مكفول عنه، أو بشرط تعذر الاستيفاء كقوله: إن غاب فعلي، ولا يجوز بمجرد الشرط كقوله: إن هبت الريح أو جاء المطر، فلو جعلهما أجلاً بأن قال: كفلته إلى مجئ المطر أو إلى هبوب الريح لا يصح، ويجب المال حالاً، فإن قال: تكفلت بما لك عليه فقامت البينة بشيء لزمه، وإن لم تكن له بينة فالقول قول الكفيل، ولا يسمع قول الأصيل عليه؛ ولا تصح الكفالة بالحمل على دابة بعينها، وتصح بغير عينها.
عليهما دين، وكل واحد منهما كفيل عن الآخر، فما أداه أحدهما لم يرجع على صاحبه حتى يزيد على النصف فيرجع بالزيادة، فإن تكفلا عن رجل وكل واحد منهما كفيل عن الآخر، فما أداه أحدهما رجع بنصفه على الآخر، وإن ضمن عن رجل خراجه وقسمته ونوائبه جاز إن كانت النوائب بحق، ككري النهر، وأجرة الحارس، وتجهيز الجيش وفداء الأسارى، وإن لم تكن بحق كالجبايات، قالوا: تصح في زماننا.
كتاب الحوالة
وهي جائزة بالديون دون الأعيان، وتصح برضا المحيل والمحتال والمحال عليه؛ وإذا تمت الحوالة برىء المحيل حتى لو مات لا يأخذ المحتال من تركته، لكن يأخذ كفيلاً من الورثة أو من الغرماء مخافة التوى، ولا يرجع عليه المحتال إلا أن يموت المحال عليه مفلساً، أو يجحد ولا بينة عليه، فإن طالب المحتال عليه المحيل فقال: إنما أحلت بدين لي عليك لم يقبل، وإن طالب المحيل المحتال بما أحاله به فقال: إنما أحلتني بدين لي عليك لم يقبل.
كتاب الصلح
ويجوز مع الإقرار والسكوت والإنكار؛ فإن كان عن إقرار وهو بمال عن مال فهو كالبيع، وإن كان بمنافع عن مال فهو كالإجارة فإن استحق فيه بعض المصالح عنه رد حصته من العوض، وإن استحق الجميع رد الجميع، وإن استحق كل المصالح عليه رجع بكل المصالح عنه، وفي البعض بحصته. والصلح عن سكوت أو إنكار معاوضة في حق المدعي، وفي حق المدعى عليه لافتداء اليمين، وإن استحق فيه المصالح عليه رجع إلى الدعوى في كله وفي البعض بقدره، وإن استحق المصالح عنه رد العوض، وإن استحق بعضه رد حصته ورجع بالخصومة فيه، وهلاك البدل كاستحقاقه في الفصلين، ويجوز الصلح عن مجهول، ولا يجوز إلا على معلوم، ويجوز عن جناية العمد والخطإ، ولا يجوز عن الحدود، ولو ادعى على امرأة نكاحاً فجحدت ثم صالحته على مال ليترك الدعوى جاز، ولو صالحها على مال لتقر له بالنكاح جاز، ولو ادعت المرأة النكاح فصالحها جاز، وإن ادعى على شخص أنه عبده فصالحه على مال جاز ولا ولاء عليه عبد بين رجلين أعتقه أحدهما وهو موسر فصالحه الآخر على أكثر من نصف قيمته لم يجز، ويجوز صلح الماعي المنكر على مال ليقر له بالعين؛ والفضولي إن صالح على مال وضمنه أو سلمه أو قال: على ألفي هذه صح؛ وإن قال: على ألف لفلان يتوقف على إجازة المصالح عنه؛ والصلح عما استحق بعقد المداينة أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي وليس معاوضة؛ فإن صالحه على ألف درهم بخمسمائة، أو عن ألف جياد بخمسمائة، زيوف، أو عن حالة بمثلها مؤجلةً جاز، ولو صالحه على دنانير موجلة لم يجز، ولو صالحه عن ألف سود بخمسمائة بيض لا يجوز، ولو قال له: أد إلي غداً خمسمائة على أنك برىء من خمسمائة، فلم يؤدها إليه فالألف بحالها.
ولو صالح أحد الشريكين عن نصيبه بثوب، فشريكه إن شاء أخذ منه نصف الثوب إلا أن يعطيه ربع الدين، وإن شاء اتبع المديون بنصفه، ولا يجوز صلح أحدهما في السلم على أخذ نصيبه من رأس المال. وإن صالح الورثة بعضهم عن نصيبه بمال أعطوه، والتركة عروض جاز قليلاً أعطوه أو كثيراً، وكذلك إن كانت أحد النقدين فأعطوه خلافه، وكذلك لو كانت نقدين فأعطوه منهما، ولو كانت نقدين وعروضاً فصالحوه على أحد النقدين فلا بد أن يكون أكثر من نصيبه من ذلك الجنس، ولو كان بدل الصلح عرضاً جاز مطلقاً، وإن كان في التركة ديون فأخرجوه منها على أن تكون لهم لا يجوز، وإن شرطوا براءة الغرماء جاز.
كتاب الشركة
الشركة نوعان: شركة ملك، وشركة عقد. فشركة الملك نوعان: جبرية، واختيارية. وشركة العقود نوعان: شركة في المال، وشركة في الأعمال. فالشركة في الأموال أنواع: مفاوضة، وعنان، ووجوه، وشركة في العروض. والشركة في الأعمال نوعان: جائزة وهي شركة الصنائع، وفاسدة وهي الشركة في المباحات. أما المفاوضة فهو أن يتساويا في التصرف والدين والمال الذي تصح فيه الشركة.
ولا تصح إلا بين الحرين البالغين العاقلين المسلمين أو الذميين، ولا تنعقد إلا بلفظ المفاوضة، أو تبيين جميع مقتضاها، ولا يشترط تسليم المال ولا خلطهما، وتنعقد على الوكالة والكفالة، فما يشتريه كل واحد منهما على الشركة إلا طعام أهله وإدامهم وكسوتهم وكسوته، وللبائع مطالبة أيهما شاء بالثمن، وإن تكفل بمال عن أجنبي لزم صاحبه، فإن ملك أحدهما ما تصح فيه الشركة صارت عنانا، وكذا في كل موضع فسدت فيه المفاوضة لفوات شرط لا يشترط في العنان، ولا تنعقد المفاوضة والعنان إلا بدراهم والدنانير وتبريهما إن جرى التعامل به وبالفلوس الرائجة، ولا تصح بالعروض إلا أن يبيع أحدهما نصف عروضه بنصف عروض الآخر إذا كانت قيمتاهما على السواء، ثم يعقدان الشركة وشركة العنان تصح مع التفاضل في المال، وتصح مع التفاضل في المال والتساوي في الربح إذا عملا أو شرطا زيادة الربح للعامل، وإذا تساويا في المال وشرطا التفاوت في الربح والوضيعة فالربح على ما شرط والوضيعة على قدر المالين، وتنعقد على الوكالة، ولا تنعقد على الكفالة ولا تصح فيما لا تصح الوكالة به كالاحتطاب والاحتشاش، وما جمعه كل واحد منهما فهو له، فإن أعانه الآخر فله أجر مثله، وإن هلك المالان أو أحدهما في شركة العنان قبل الشراء بطلت الشركة. وإن اشترى أحدهما بماله ثم هلك مال الآخر فالمشترى بينهما على ما شرطا، ويرجع على صاحبه بحصته من الثمن، وإن هلك أحد المالين ثم اشترى أحدهما فالمشترى لصاحب المال خاصةً، ولا يجوز أن يشترطا لأحدهما دراهم مسماةً من الربح؛ ولشريك العنان والمفاوض أن يوكل ويبضع ويضارب ويودع ويستأجر على العمل، وهو أمين في المال. وشركة الصنائع: أن يشترك صانعان اتفقا في الصنعة أو اختلفا على أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما فيجوز، وما يتقبله أحدهما يلزمهما، فيطالب كل واحد منهما بالعمل ويطالب بالأجر.
وشركة الوجوه جائزة، وهي أن يشتركا على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا، وتنعقد على الوكالة؛ وإن شرطا على المشترى بينهما فالربح كذلك، ولا تجوز الزيادة فيه؛ وإن اشتركا ولأحدهما بغل وللآخر راوية يستسقي الماء لا يصح، والكسب للعامل، وعليه أجرة بغل الآخر أو راويته؛ والربح في الشركة الفاسدة على قدر المال ويبطل شرط الزيادة وإذا مات أحد الشريكين أن يؤدى زكاة مال الآخر إلا بإذنه، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه فأديا معاً ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه، وإن أديا متعاقبا ضمن الثاني للأول علم بأدائه أو لم يعلم.
كتاب المضاربة
المضارب شريك رب المال في الربح ورأس ماله الضرب في الأرض، فإذا سلم رأس المال إليه فهو أمانة، فإذا تصرف فيه فهو وكيل، فإذا ربح صار شريكاً، فإن شرط الربح للمضارب فهو قرض، وإن شرط لرب المال فهو بضاعة، وإذا فسدت المضاربة فهي إجارة فاسدة، وإذا خالف صار غاصباً، ولا تصح إلا أن يكون الربح بينهما مشاعاً؛ فإن شرط لأحدهما دراهم مسماة فسدت، والربح لرب المال، وللمضارب أجر مثله، واشتراط الوضيعة على المضارب باطل، ولا بد أن يكون المال مسلماً إلى المضارب، وللمضارب أن يبيع ويشتري بالنقد والنسيئة ويوكل ويسافر ويبضع، ولا يضارب إلا بإذن رب المال، أو بقوله: اعمل برأيك، وليس له أن يتعدى البلد والسلعة والمعامل الذي عينه رب المال، وإن وقت لها وقتاً بطلت بمضيه؛ وليس له أن يزوج عبداً ولا أمةً من مال المضاربة، ولا يشترى من يعتق على رب المال، فإن فعل ضمنه، ولا من يعتق عليه إن كان في المال ربح، فإن لم يكن في المال ربح فاشترى من يعتق عليه صح البيع، فإن ربح عتق نصيبه ويسعى العبد في قيمة نصيب رب المال؛ فلو دفع إليه المال مضاربةً وقال: ما رزق الله بيننا نصفان وأذن له في الدفع مضاربةً، فدفع إلى آخر بالثلث فنصف الربح لرب المال بالشرط، والسدس للأول، والثلث للثاني، وإن دفع الأول إلى الثاني بالنصف فلا شيء له، وإن دفعه على أن للثاني الثلثين ضمن الأول للثاني قدر السدس من الربح؛ ولو قال: ما رزقك الله فلي نصفه فما شرطه للثاني فهو له، والباقي بين رب المال والمضارب الأول نصفان؛ ولو قال: على أن ما رزق الله بيننا نصفان فدفعه إلى آخر بالنصف فدفعه الثاني إلى ثالث بالثلث فالنصف لرب المال، وللثالث الثلث، وللثاني السدس ولا شيء للأول، وتبطل المضاربة: بموت المضارب، وبموت رب المال، وبردة رب المال، ولحاقه مرتداً؛ ولا تبطل بردة المضارب، ولا ينعزل بعزله ما لم يعلم؛ فلو باع واشترى بعد العزل قبل العلم نفذ، فإن علم بالعزل والمال من جنس رأس المال لم يجز له أن يتصرف فيه، وإن كان خلاف جنسه فله أن يبيعه حتى يصير من جنسه، وإذا افترقا وفي المال ديون وليس فيه ربح وكل رب المال على اقتضائها، وإن كان فيه ربح أجبر على اقتضائها، وما هلك من مال المضاربة فمن الربح، فإن زاد فمن رأس المال.
كتاب الوديعة
وهي أمانة إذا هلكت من غير تعد لم يضمن، وله أن يحفظها بنفسه، ومن في عياله وإن نهاه، وليس له أن يحفظها بغيرهم إلا أن يخاف الحريق فيسلمها إلى جاره، أو الغرف فيلقيها إلى سفينة أخرى، فإن خلطها بغيرها حتى لا تتميز ضمنها، وكذا إن أنفق بعضها ثم رد عوضه وخلطه بالباقي، وإن اختلط بغير صنعه فهو شريك، ولو تعدى فيها بالركوب أو اللبس أو الاستخدام أو أودعها ثم زال التعدى لم يضمن؛ ولو أودعها فهلكت عند الثاني فالضمان على الأول فإن طلبها صاحبها فجحدها ثم عاد اعترف ضمن؛ وللمودع أن يسافر بالوديعة، وإن كان لها حمل ومئونة ما لم ينهه إذا كان الطريق آمناً، ولو أودعا عند رجل مكيلاً أو موزوناً ثم حضر أحدهما يطلب نصيبه لم يؤمر بالدفع إليه ما لم يحضر الآخر، فإن قال المودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان وكذبه المالك ضمن إلا أن يقيم البينة على ذلك أو ينكل المالك عن اليمين؛ ولو أودع عند رجلين شيئاً ممن يقسم اقتسماه وحفظ كل منهما نصفه، وإن كان لا يقسم حفظه أحدهما بأمر الآخر، ولو قال احفظها في هذا البيت فحفظها في بيت آخر في الدار لم يضمن، ولو خالفه في الدار ضمن، ولو رد الوديعة إلى دار مالكها ولم يسلمها إليه ضمن.
كتاب اللقيط
وهو حر ونفقته في بيت المال، وميراثه لبيت المال، وجنايته عليه، وديته له وولاؤه، والملتقط أولى به من غيره، وهو متبرع في الإنفاق عليه إلا أن يأذن له القاضي بشرط الرجوع؛ ومن ادعى أنه ابنه ثبت نسبه منه، وإن ادعاه اثنان معاً ثبت منهما إلا أن يذكر أحدهما علامةً في جسده.
والحر والمسلم أولى من العبد والذمي، وإن ادعاه عبد فهو ابنه وهو حر؛ وإن ادعاه ذمي فهو ابنه وهو مسلم، إلا أن يلتقطه من بيعة أو كنيسة أو قرية من قراهم فيكون ذمياً؛ ومن ادعى أنه عبده لم يقبل إلا ببينة؛ وإذا كان على اللقيط مال فهو مشدود له وينفق عليه منه بأمر القاضي، ويقبل له الهبة، ويسلمه في صناعة، ولا يزوجه، ولا يؤاجره.
كتاب اللقطة
وأخذها أفضل، وإن خاف ضياعها فواجب، وهي أمانة إذا أشهد أنه أخذها ليردها على صاحبها، فإن لم يشهد ضمنها ويعرفها مدةً يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك.
فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها إن شاء، وإن شاء أمسكها، فإن جاء وأمضى الصدقة فله ثوابه، وإلا له أن يضمنه، أو يضمن المسكين، أو يأخذها إن كانت باقيةً، وأيهما ضمن لا يرجع على أحد، ولا يتصدق بها على غني، وينتفع بها إن كان فقيراً، وإن كانت شيئاً لا يبقى عرفه إلى أن يخاف فساده، ويعرفها في مكان الالتقاط ومجامع الناس. وإن كانت حقيرةً كالنوى وقشور الرمان ينتفع به من غير تعريف، وللمالك أخذه، والسنبل بعد الحصاد إذا جمعه فهو له خاصةً، ويجوز التقاط الإبل والبقر والغنم وسائر الحيوانات، وهو متبرع فيما أنفق عليها، فإن كان لها منفعة آجرها بإذن الحاكم وأنفق عليها، وإن لم يكن لها منفعة باعها إن كان أصلح، فإن جاء صاحبها فله حبسها حتى يعطيه النفقة، فإن امتنع بيعت في النفقة، فإن هلكت بعد الحبس سقطت النفقة وقبل الحبس لا؛ وليس في رد اللقطة والضالة والصبي الحر شيء واجب؛ ومن ادعى اللقطة يحتاج إلى البينة، فإن أعطى علامتها جاز له أن يدفعها إليه ولا يجبر، ولقطة الحل والحرم سواء.
كتاب الآبق
أخذه أفضل إذا قدر عليه، وكذلك الضال ويدفعهما إلى السلطان، ويحبس الآبق دون الضال، ومن رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً فله عليه أربعون درهماً وبحسابه إن نقصت المدة، فإن كانت قيمته أقل من أربعين درهماً فله قيمته إلا درهماً، وأم الولد والمدبر كالقن والصبي كالبالغ، وينبغي أن يشهد أنه يأخذه ليرده، ولو أبق من يده لا يلزمه شيء، وإن كان رهناً فالجعل على المرتهن، وإن كان جانياً فعلى مولاه إن فداه، وعلى ولي الجناية إن أعطاه له؛ وحكمه في النفقة كاللقطة.
كتاب المفقود
وحكمه أنه حي في حق نفسه وميت في حق غيره، ويقيم القاضي من يحفظ ماله ويستوفي غلاته فيما لا وكيل له فيه، ويبيع من أمواله ما يخاف عليه الهلاك، وينفق من ماله على من تجب عليه نفقته حال حضوره بغير قضاء، فإن مضى له من العمر ما لا يعيش أقرانه حكم بموته.
كتاب الخنثى
إذا كان له آلة الرجل والمرأة، فإن بال من أحدهما اعتبر به، فإن بال من الذكر فهو غلام، وإن بال من الفرج فهو أنثى، وإن بال منهما اعتبر بأسبقهما، فإن بال منهما معاً فهو خنثى مشكل، ولا معتبر بالكثرة، فإذا بلغ فظهرت له أمارات الرجال فهو رجل، وإن ظهرت له أمارات النساء فهو امرأة، فإن لم تظهر الأمارتان أو تعارضتا فهو خنثى مشكل.
فإذا حكم بكونه خنثى مشكلاً يؤخذ فيه بالأحوط والأوثق من أمور الدين فيورث أخس السهمين ويقف بين صف الرجال والنساء في الصلاة، وإن صلى في صف النساء أعاد، ولو صلى في صف الرجال يعيد من على يمينه ويساره ومن خلفه بحذائه، ويصلى بقناع، ولا يلبس الحلي والحرير، ولا يخلو به غير محرم رجل ولا امرأة، ولا يسافر بغير محرم، وتبتاع له أمة تختنه، فإذا ختنته باعها، وإن لم يكن له مال فمن بيت المال، وإذا مات ولم يستبن حاله يمم، ثم يكفن ويدفن كالجارية.
كتاب الوقف
وهو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ولا يلزم إلا أن يحكم به حاكم، أو يقول: إذا مت فقد وقفته، ولا يجوز وقف المشاع، وإن حكم به جاز، ولا يجوز حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبداً، ويجوز وقف العقار، ولا يجوز وقف المنقول، وعن محمد جواز ما جرى فيه التعامل كالفأس والقدوم والمنشار والقدور والجنازة والمصاحف والكتب، بخلاف ما لا تعامل فيه، والفتوى على قول محمد، ويجوز حبس الكراع والسلاح، ولا يجوز بيع الوقف ولا تمليكه، ويبدأ من ارتفاع الوقف بعمارته وإن لم يشرطها الواقف، فإن كان الوقف على غنى عمره من ماله، وإن كان على فقراء فلا تقدر عليهم، فإن أبى أو كان فقيراً آجرها القاضي وعمرها بأجرتها ثم ردها إلى من له السكنى، وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرف في عمارته، فإن استغنى عنه حبس لوقت حاجته، وإن تعذر إعادة عينه بيع، ويصرف الثمن إلى عمارته، ولا يقسمه بين مستحقي الوقف؛ ويجوز أن يجعل الواقف غلة الوقف أو بعضها له والولاية إليه، فإن كان غير مأمون نزعه القاضي منه وولى غيره؛ ومن بنى مسجداً لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن بالصلاة فيه.
ومن بنى سقايةً للمسلمين أو خاناً لأبناء السبيل أو رباطاً أو حوضاً أو حفر بئراً أو جعل أرضه مقبرةً أو طريقاً للناس لا يلزم ما لم يحكم به حاكم أو يعلقه بموته، والوقف في المرض وصية.
رباط استغنى عنه يصرف وقفه إلى أقرب رباط إليه، ولو ضاق المسجد وبجنبه طريق العامة يوسع منه المسجد، ولو ضاق الطريق وسع من المسجد.
كتاب الهبة
وتصح بالإيجاب والقبول والقبض، فإن قبضها في المجلس بغير إذنه جاز، وبعد الافتراق يفتقر إلى إذنه، وإن كانت في يده ملكها بمجرد الهبة، وهبة الأب لابنه الصغير تم بمجرد العقد، ويملك الصغير الهبة بقبض وليه وأمه وبقبضه بنفسه. وتنعقد الهبة بقوله: وهبت ونحلت وأعطيت وأطعمتك هذا الطعام وأعمرتك، وحملتك على هذه الدابة إذا نوى الهبة، وكسوتك هذا الثوب، وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة وفيما يقسم لا تجوز، فإن قسم وسلم جاز كسهم في دار، واللبن في الضرع، والصوف على الظهر، والتمر على النخل، والزرع في الأرض، ولو وهبه دقيقاً في حنطة، أو سمناً في لبن، أو دهناً في سمسم فاستخرجه وسلمه لا يجوز، ولو وهب اثنان من واحد جاز، وبالعكس لا يجوز ولو تصدق على فقيرين جاز، وعلى غنيين لا يجوز، ومن وهب جاريةً إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء.
فصل
ويجوز الرجوع فيما يهبه للأجنبي ويكره، فإن عوضه أو زادت زيادة متصلة أو مات أحدهما أو خرجت عن ملك الموهوب له فلا رجوع، ولا رجوع فيما يهبه لذي رحم محرم منه أو زوجة أو زوج؛ ولو قال الموهوب له خذ هذا بدلاً عن هبتك أو عوضها أو مقابلها أو عوضه أجنبي متبرعاً فقبضه سقط الرجوع، ولو استحق نصف الهبة رجع وإن استحق جميع العوض رجع بالهبة؛ والهبة بشرط العوض يراعى فيها حكم الهبة قبل القبض والبيع بعده؛ ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما أو بحكم الحاكم، وإن هلكت في يده بعد الحكم لم يضمن.
فصل
العمرى جائزة للمعمر حال حياته، ولو رثته بعد مماته، وهي أن يجعل داره له عمره، فإذا مات ترد عليه. والرقبى باطلة، وهي أن تقول: إن مت فهي لي، وإن مت فهي لك.
والصدقة كالهبة إلا أنه لا رجوع فيها؛ ومن نذر أن يتصدق بماله فهو على جنس مال الزكاة، وبملكه على الجميع، ويمسك ما ينفقه حتى يكتسب ثم يتصدق بمثل ما أمسك.
كتاب العارية
وهي هبة المنافع، ولا تكون إلا فيما ينتفع به مع بقاء عينه.
وهي أمانة، وتصح بقوله أعرتك وأطعمتك هذه الأرض، وأخدمتك هذا العبد، ومنحتك هذا الثوب، وحملتك على هذه الدابة إذا لم يرد بهما الهبة، ودارى لك سكنى أو سكنى عمرى؛ وللمستعير أن يعيرها إن لم يختلف باختلاف المستعملين، وليس له إجارتها؛ فإن آجرها فهلكت ضمن، وللمعير أن يضمن المستعير، ولا يرجع على المستأجر ويرجع على المستعير، فإن قيدها بوقت أو منفعة أو مكان ضمن بالمخالفة إلا إلى خير؛ وعند الإطلاق له أن ينتفع بها في جميع أنواع منفعتها ما شاء ما لم يطالبه بالرد، ولو أعار أرضه للبناء والغرس فله أن يرجع ويكلفه قلعهما، وإن وقت وأخذها قبل الوقت كره له ذلك، ويضمن للمستعير قيمته ويملكه، وللمستعير قلعه إلا أن يكون فيه ضرر كثير بالأرض، فإن قلعهما فلا ضمان، فإن أعارها للزراعة فليس له أخذها قبل حصده وإن لم يوقت.
وأجره رد العارية على المستعير والمستأجر على الآجر؛ وإذا رد الدابة إلى اصطبل مالكها برىء؛ وكذا رد الثوب إلى داره ومع من في عياله أو عبده أو أجيره الخاص برىء.
كتاب الغصب
وهو أخذ مال متقوم محترم مملوك للغير بطريق التعدى، ومن غصب شيئاً فعليه رده في مكان غصبه، فإن هلك وهو مثلي فعليه مثله، وإن لم يكن مثلياً فعليه قيمته يوم غصبه، وإن نقص ضمن النقصان، وإذا انقطع تجب قيمته يوم القضاء، وإن ادعى الهلاك حبسه الحاكم مدةً يعلم أنها لو كانت باقيةً أظهرها ثم يقضي عليه ببدلها، والقول في القيمة قول الغاصب مع يمينه، فإذا قضي عليه بالقيمة ملكه مستنداً إلى وقت الغصب، وتسلم له الأكساب ولا تسلم له الأولاد، فإذا ظهرت العين وقيمتها أكثر وقد ضمنها بنكوله أو بالبينة، أو بقول المالك سلمت للغاصب، وإن ضمنها بيمينه فالمالك إن شاء أمضى الضمان، وإن شاء أخذ العين ورد العوض، ويضمن ما نقص العقار بفعله ولا يضمنه لو هلك، فإن نقص بالزراعة يضمن النقصان، ويأخذ رأس ماله ويتصدق بالفضل، وكذا المودع والمستعير إذا تصرفا وربحا تصدقا بالفضل، وإذا تغير المغصوب بفعل الغاصب حتى زال اسمه وأكثر منافعه ملكه وضمنه، وذلك كذبح الشاة وطبخها أو شيها أو تقطيعها، وطحن الحنطة أو زرعها، وخبز الدقيق، وجعل الحديد سيفاً والصفر آنيةً، واللبناء على الساجة، واللبن حائطاً، وعصر الزيتون والعنب وغزل القطن ونسج الغزل، ولا ينتفع به حتى يؤدى بدله، ولو غصب تبراً فضربه دراهم أو دنانير أو آنيةً لم يملكه، ومن خرق ثوب غيره فأبطل عامة منفعته ضمنه، ومن ذبح شاة غيره أو قطع يدها، فإن شاء المالك ضمنه نقصانها وأخذها، وإن شاء سلمها وضمنه قيمتها، وفي غير مأكول اللحم يضمن قيمتها بقطع الطرف، ومن بنى في أرض غيره أو غرس لزمه قلعهما وردها، ومن غصب ثوباً فصبغه أحمر أو سويقا، فلته بسمن فالمالك إن شاء أخذهما ورد زيادة الصبغ والسويق، وإن شاء أخذ قيمة الثوب أبيض ومثل السويق وسلمهما.
فصل
زوائد الغصب أمانة، متصلةً كانت أو منفصلةً، ويضمنها بالتعدى أو بالمنع بعد الطلب، وما نقصت الجارية بالولادة مضمون وتجبر بولدها وبالغرة؛ ومنافع الغصب غير مضمونة استوفاها أو عطلها، ومن استهلك حمر الذمي أو خنزيره فعليه قيمته، ولو كانا لمسلم فلا شيء عليه؛ ويجب في كسر المعازف قيمتها لغير اللهو.
كتاب إحياء الموات
الموات: ما لا ينتفع به من الأراضي، وليس ملك مسلم ولا ذمي، وهو بعيد من العمران، إذا وقف إنسان بطرف العمران ونادى بأعلى صوته لا يسمع، من أحياه بإذن الإمام ملكه مسلماً كان أو ذمياً، ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر، ومن حجر أرضاً ثلاث سنين فلم يزرعها دفعها الإمام إلى غيره.
ومن حفر بئراً في موات فحريمها أربعون ذراعاً من كل جانب للناضح والعطن، فمن أراد أن يحفر في حريمها منع، وحريم العين من كل جانب خمسمائة ذراع، والقناة عند خروج الماء كالعين، ولا حريم للنهر الظاهر إذا كان في ملك الغير إلا ببينة، وكذا لو حفره في أرض موات لا حريم له، ولو غرس شجرةً في أرض موات فحريمها من كل جانب خمسة أذرع، وما عدل عنه الفرات ودجلة يجوز إحياؤه إن لم يحتمل عوده إليه، وإن احتمل عوده لا يجوز.
كتاب الشرب
وهو النصيب من الماء، وقسمة الماء بين الشركاء ويجوز دعوى الشرب بغير أرض، ويورث، ويوصى بمنفعته دون رقبته ولا يباع، ولا يوهب، ولا يتصدق به، ولا يصلح مهراً، ولا بدلاً في الخلع، ولا بدلاً في الصلح عن دعوى المال ولا في القصاص.
والمياه أنواع: ماء البحر، وهو عام لجميع الخلق الانتفاع به بالشفة وسقي الأراضي وشق الأنهار. والأودية والأنهار العظام كجيحون وسيحون والنيل والفرات ودجلة، فالناس مشتركون فيه في الشفة وسقي الأراضي ونصب الأرحية.
وما يجري في نهر خاص لقرية فلغيرهم فيه شركة في الشفة؛ وما أحرز في حب ونحوه فليس لأحد أن يأخذ منه شيئاً بدون إذن صاحبه وله بيعه، ولو كانت البئر أو العين أو النهر في ملك رجل له منع من يريد الشفة من الدخول في ملكه إن كان يجد غيره بقربه في أرض مباحة، فإن لم يجد فإما أن يتركه يأخذ بنفسه أو يخرج الماء إليه، فإن منعه وهو يخاف العطش على نفسه أو مطيته قاتله بالسلاح، وفي المحرز بالإناء يقاتله بغير سلاح، والطعام حالة المخمصة كالماء المحرز بالإناء.
فصل
كرى الأنهار العظام على بيت المال، وما هو مملوك للعامة فكريه على أهله، ومن أبى منهم يجبر، ومئونة الكرى إذا جاوز أرض رجل ترفع عنه، وليس على أهل الشفة شيء من الكرى. نهر لرجل يجري في أرض غيره ليس لصاحب الأرض منعه. نهر بين قوم اختصموا في الشرب فهو بينهم على قدر أراضيهم، وليس للأعلى أن يسكر حتى يستوفي إلا بتراضيهم، وليس لأحدهم أن يشق منه نهراً، أو ينصب عليه رحىً أو يتخذ عليه جسراً أو يوسع فمه، أو يسوق شربه إلى أرض ليس لها شرب إلا بتراضيهم، ولو كانت القسمة بالكوى فليس لأحدهم أن يقسم بالأيام، ولا مناصفةً، ولا يزيد كوةً، وإن كان لا يضر بالباقين.
كتاب المزارعة
وهي عقد على الزرع ببعض الخارج، وهي جائزة عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة هي فاسدة، والفتوى على قولهما، ولا بد فيها من التأقييت، ومن صلاحية الأرض للزراعة، ومن معرفة مقدار البذر، ومعرفة جنسه، ونصيب الآخر، والتخلية بين الأرض والعامل، وأن يكون الخارج مشتركاً بينهما حتى لو شرطا لأحدهما قفزانا معلومةً، أو ما على السواقي، أو أن يأخذ رب البذر بذره، أو الخراج فسدت، وإن شرط رفع العشر جاز، وإذا كانت الأرض والبذر لواحد، والعمل والبقر لآخر، أو كانت الأرض لواحد والباقي لآخر، أو كان العمل من واحد والباقي لآخر فهي صحيحة. وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط، فإن لم يخرج شيء فلا شيء للعامل وما عدا هذه الوجوه فاسدة، وإذا فسدت فالخارج لصاحب البذر، وللآخر أجر عمله أو أجر أرضه لا يزاد على قدر المسمى، ولو شرطا التبن لرب البذر صح، وإن شرطاه للآخر لا يصح، وإن عقداها فامتنع صاحب البذر لم يجبر، وإن امتنع الآخر أجبر إلا أن يكون عذر تفسخ به الإجارة فتفسخ به المزارعة، وليس للعامل أن يطالبه بأجرة الكراب وحفر الأنهار، وأجرة الحصاد والرفاع والدياس والتذرية عليهما بالحصص، ولو شرطا ذلك على العامل لا يجوز؛ وعن أبي يوسف جوازه وعليه الفتوى؛ وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت؛ وإذا انقضت المدة ولم يدرك الزرع فعلى المزارع أجرة نصيبه من الأرض حتى يستحصد، ونفقة الزرع عليهما حتى يستحصد.
كتاب المساقاة
وهي كالمزارعة في الخلاف والحكم وفي الشروط إلا المدة، وإن سميا مدةً لا تخرج الثمرة في مثلها فهي فاسدة، وإن دفع نخلا أو أصول رطبة ليقوم عليها وأطلق لا يجوز في الرطبة إلا بمدة معلومة، وتجوز المساقاة في الشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان إذا كانت تزيد بالسقي والعمل وتبطل بالموت.
كتاب النكاح
النكاح حالة الاعتدال سنة مؤكدة مرغوبة، وحالة التوقان واجب، وحالة الخوف من الجور مكروه، وركنه الإيجاب والقبول. وينعقد بلفظين ماضيين، أو بلفظين أحدهما ماض والآخر مستقبل، كقوله زوجني، فيقول زوجتك؛ وينعقد بلفظ النكاح والتزويج والهبة والصدقة والتمليك والبيع والشراء، ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور رجلين أو رجل وامرأتين، ولا بد في الشهود من صفة الحرية والإسلام، ولا تشترط العدالة، وينعقد بشهادة العميان. وإذا تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز، ولا يظهر عند جحوده.
ويحرم على الرجل نكاح أمه وجداته وبنته وبنات ولده وأخته وبنتها وبنت أخيه وعمته وخالته وأم امرأته وبنتها إن دخل بها وامرأة أبيه وأجداده وبنيه وبني أولاده والجمع بين الأختين نكاحاً ووطئاً بملك اليمين؛ ويحرم من الرضاع من ذكرنا من النسب.
ولو تزوج أختين في عقد واحد فسد نكاحهما، ولو تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى فرقة بينه وبينهما؛ وإذا طلق امرأته لا يجوز أن يتزوج أختها ولا رابعةً حتى تنقضي عدتها، ولا يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، ولا يجوز نكاح الأمة على الحرة ولا معها ولا في عدتها، ويجوز نكاح الحرة والأمة على الأمة ومعها وفي عدتها؛ ويجوز للحر أن يتزوج أربعاً من الإماء، ويجوز أن يتزوج أمةً مع القدرة على الحرة؛ ولا يجوز أن يتزوج زوجة الغير ولا معتدته، ولا يتزوج حاملاً من غيره إلا الزانية، فإن فعل لا يطؤها حتى تضع؛ ولا يجوز أن يتزوج أمته ولا المرأة عبدها؛ ولا يجوز نكاح المجوسيات والوثنيات ولا وطؤهن بملك يمين، ويجوز تزويج الكتابيات والصابئيات.
والزنا يوجب حرمة المصاهرة، وكذا المس بشهوة من الجانبين والنظر إلى الفرج من الجانبين أيضاً.
ومن جمع بين امرأتين إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح الأخرى؛ ويجوز أن يتزوج المحرم حالة الإحرام؛ ونكاح المتعة والنكاح المؤقت باطل.
وعبارة النساء معتبرة في النكاح حتى لو زوجت الحرة العاقلة البالغة نفسها جاز؛ وكذلك لو زوجت غيرها بالولاية أو الوكالة، وكذا إذا وكلت غيرها في تزويجها، أو زوجها غيرها فأجازت.
ولا إجبار على البكر البالغة في النكاح. والسنة للولي أن يستأمر البكر قبل النكاح ويذكر لها الزوج فيقول: إن فلاناً يخطبك أو يذكرك، فإذا سكتت فقد رضيت، ولو ضحكت فهو إذن، ولو بكت إن كان بغير صوت فهو رضاً، ولو استأذنها غير الولي فلا بد من القول؛ وإذن الثيب بالقول، وينبغي أن يذكر لها الزوج بما تعرفه، فإن زالت بكارتها بوثبة أو جراحة أو تعنيس أو حيض فهي بكر، وكذلك إن زالت بزنا؛ ولو قال الزوج: بلغك النكاح فسكت، فقالت: بل ردت فالقول قولها ولا يمين عليها، ويجوز للولي إنكاح الصغير والصغيرة والمجنونة، ثم إن كان المزج أباً أو جداً فلا خيار لهما بعد البلوغ، وإن زوجهما غيرهما فلهما الخيار. ولا خيار لأحد الزوجين في عيب إلا في الجب والعنة والخصاء، والولي العصبة على ترتيبهم في الإرث والحجب ثم مولى العتاقة. وللأم وأقاربها التزويج، ثم مولى الموالاة، ثم القاضي؛ ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون ولا كافر على مسلمة، وابن المجنونة يقدم على أبيها، وإذا غاب الولي الأقرب غيبةً منقطعةً لا ينتظر الكفء الخاطب حضوره زوجها الأبعد، ولو زوجها وليان فالأول أولى، وإن كانا معاً بطلا؛ ويجوز للأب والجد أن يزوج ابنه بأكثر من مهر المثل وابنته بأقل، ومن غير كفء، ولا يجوز ذلك لغيرهما، والواحد يتولى طرفي العقد ولياً كان أو وكيلاً، أو ولياً ووكيلاً أو أصيلاً ووكيلاً، أو ولياً وأصيلاً.
وينعقد نكاح الفضولي موقوفاً كالبيع إذا كان من جانب واحد، أما من جانبين أو فضولياً من جانب أصيلاً من جانب فلا.
والكفاءة تعتبر في النكاح في النسب وفي الدين والتقوى وفي الصنائع وفي الحرية وفي المال، ومن له أب في الإسلام أو الحرية لا يكافىء من له أبوان، والأبوان والأكثر سواء، وإذا تزوجت غير كفء فللولي أن يفرق بينهما، فإن قبض الولي المهر أو جهز به أو طالب بالنفقة فقد رضي، وإن سكت لا يكون رضىً، وإن رضي أحد الأولياء فليس لغيره ممن هو في درجته أو أسفل منه الاعتراض، وإن كان أقرب منه فله ذلك، وإن نقصت من مهر مثلها فللأولياء أن يفرقوا أو يتممه.
المهر أقله عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم ولا يجوز أن يكون إلا مالاً، فإن سمى أقل من عشرة فلها عشرة، ومن سمى مهراً لزمه بالدخول والموت، وإن طلقها قبل الدخول لزمه نصفه، وإن لم يسم لها مهراً أو شرط أن لا مهر لها فلها مهل المثل بالدخول والموت والمتعة والطلاق قبل الدخول، ولا تجب إلا لهذه، وتستحب لكل مطلقة سواها. والمتعة درع وخمار وملحفة يعتبر ذلك بحاله، ولا تزاد على قدر نصف مهر المثل، وإن زادها في المهر لزمته الزيادة، وتسقط بالطلاق قبل الدخول، وإن حطت من مهرها صح الحط، والخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح كالدخول، وكذلك العنين والحصى والمجبوب.
والخلوة الصحيحة أن لا يكون ثم مانع من الوطء طبعاً وشرعاً، فالمرض المانع من الوطء من جهته أو جهتها مانع طبعاً، وكذلك الرتق والقرن والحيض والإحرام وصوم رمضان وصلاة الفرض وفي النكاح الفاسد لا يجب إلا مهر المثل، ولا يجب إلا بالدخول حقيقةً، ولا يتجاوز به المسمى، ويثبت فيه النسب.
وإن تزوجها على خمر أو خنزير، أو على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر؛ أو على هذا العبد فإذا هو حر؛ أو على خدمته سنةً؛ أو تعليم القرآن جاز النكاح، ولها مهر المثل.
وإذا تزوج العبد بإذن مولاه على خدمته سنةً جاز ولها الخدمة، وإن تزوجها على ألف على أن لا يتزوج عليها، فإن وفى فلها المسمى، وإلا فمهر مثلها، وإن قال على ألف إن أقام بها، وألفين إن أخرجها، فإن أقام فلها الألف، وإن أخرجها فمهر مثلها، وإن تزوجها على هذا العبد أو هذا فلها أشبههما بمهر المثل، وإن كان مهر المثل بينهما فلها مهر المثل؛ وإن تزوجها على حيوان، فإن سمى نوعه كالفرس جاز، وإن لم يصفه ولها الوسط، فإن شاء أعطاها ذلك، وإن شاء قيمته؛ والثوب مثل الحيوان، إلا أنه ذكر وصفه لزمه تسليمه، وكذلك كل ما يثبت في الذمة.
ومهر مثلها يعتبر بنساء عشيرة أبيها، فإن لم يوجد منهم مثل حالها فمن الأجانب، ويعتبر بامرأة هي مثلها في السن والحسن والبكارة والبلد والعصر والمال، فإن لم يوجد ذلك كله فالذي يوجد منه؛ وللمرأة أن تمنع نفسها وأن يسافر بها حتى يعطيها مهرها، فإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء، وقيل لا يسافر بها وعليه الفتوى.
فصل
ولا يجوز نكاح العبد والأمة والمدبر وأم الولد إلا بإذن المولى، ويملك إجبارهم على النكاح؛ وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه والمدبر يسعى، وإذا أعتقت الأمة أو المكاتبة ولها زوج حر أو عبد فلها الخيار ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج لكنها تخدم المولى، ويقال له: متى ظفرت بها وطئتها؛ وإن تزوج عبد بغير إذن مولاه فقال له المولى طلقها فليس بإجازة، ولو قال طلقها تطليقةً رجعيةً فهو إجازة؛ والإذن في العزل لمولى الأمة؛ وإذا تزوج عبد أو أمة بغير إذن المولى ثم أعتقا نفذ النكاح ولا خيار للأمة.
فصل
تزوج ذمي ذميةً على أن لا مهر لها أو على ميتة، وذلك عندهم جائز جاز ولا مهر لها، وإن تزوجها بغير شهود أو في عدة كافر آخر جاز إن دانوه، ولو أسلما أقرا عليه، ولو تزوجها على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما فلها ذلك إن كانا عينين، وإلا فقيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير، وإذا أسلم المجوسي فرق بينه وبين من تزوج من محارمه؛ ولا يجوز نكاح المرتد والمرتدة، والولد يتبع خير الأبوين ديناً، والكتابي خير من المجوسي؛ وإذا أسلمت امرأة الكافر عرض عليه الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإلا فرق بينهما، وتكون الفرقة طلاقاً؛ وإن أسلم زوج المجوسية فإن أسلمت وإلا فرق بينهما بغير طلاق؛ وإن كان الإسلام في دار الحرب تتوقف البينونة في المسئلتين على ثلاث حيض قبل إسلام آخر، وإذا خرج أحد الزوجين إلينا مسلماً وقعت البينونة بينهما، وكذا إن سبي أحدهما، ولو سبيا معاً لم تقع؛ وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرةً لا عدة عليها؛ وإذا ارتد أحد الزوجين وقعت الفرقة بغير طلاق؛ ثم إن كان المرتد الزوجة بعد الدخول فلها المهر وقبله لا شيء لها ولا نفقة، وإن كان الزوج فالكل بعده والنصف قبله؛ وإن ارتدا معاً ثم أسلما معاً فهما على نكاحهما. وإذا كان بأحد الزوجين عيب فلا خيار للآخر إلا في الجب والعنة والخصى.
فصل
وعلى الرجل أن يعدل بين نسائه في البيتوتة، والبكر والثيب والجديدة والعتيقة والمسلمة والكتابية سواء، وللحرة ضعف الأمة؛ ومن وهبت نصيبها لصاحبها جاز ولها الرجوع في ذلك، ويسافر بمن شاء، والقرعة أولى.
كتاب الرضاع
وحكم الرضاع يثبت بقليله وكثيره إذا وجد في مدته وهي ثلاثون شهراً؛ ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا أخت ابنه وأم أخته؛ وإذا أرضعت المرأة صبيةً حرمت على زوجها وآبائه وأبنائه، وإذا رضع صبيان من ثدي امرأة فهما أخوان، وإن اجتمعا على لبن شاة فلا رضاع بينهما؛ وإذا اختلط اللبن بخلاف جنسه كالماء والدهن والنبيذ والدواء ولبن البهائم فالحكم للغالب، وكذلك إن اختلط بجنسه بأن اختلط لبن امرأتين، وإن اختلط بالطعام فلا حكم له، وإن غلب، وتتعلق الحرمة بلبن المرأة بعد موتها، وكذلك تتعلق بلبن البكر، ولا تتعلق بلبن الرجل ولا بالاحتقان. وتتعلق بالاستعاط والإيجار، وإذا أرضعت امرأته الكبيرة امرأته الصغيرة حرمتا على الزوج، ولا مهر للكبيرة إن كان قبل الدخول، وللصغيرة نصف المهر، ويرجع به على الكبيرة إن كانت تعمدت الفساد، والقول قولها في التعمد مع يمينها.
كتاب الطلاق
وهو على ثلاثة أوجه: أحسن، وحسن، وبدعي. فأحسنه أن يطلقها واحدة في طهر لا جماع فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها.
وحسنه: أن يطلقها ثلاثاً في ثلاثة أطهار ولا جماع فيها والشهر للآيسة والصغيرة والحامل كالحيضة، ويجوز طلاقهن عقب الجماع. والبدعة أن يطلقها ثلاثاً أو ثنتين بكلمة واحدة أو في طهر لا رجعة فيه، أو يطلقها وهي حائض فيقع ويكون عاصياً، وطلاق غير المدخول بها حالة الحيض ليس ببدعي، وإذا طلق امرأته حالة الحيض فعليه أن يراجعها، فإذا طهرت فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها، وإذا قال لامرأته المدخول بها: أنت طالق ثلاثاً للسنة وقع عند كل طهر تطليقة، وإن نوى وقوعهن الساعة وقعن؛ وطلاق الحرة ثلاث، والأمة ثنتان، ولا اعتبار بالرجل في عدد الطلاق؛ ويقع طلاق كل زوج عاقل بالغ مستيقظ. وطلاق المكره وقع؛ وطلاق السكران واقع؛ ويقع طلاق الأخرس بالإشارة، وكذلك اللاعب بالطلاق والهازل به؛ ومن ملك امرأته أو شقصاً منها أو ملكته أو شقصاً منه وقعت الفرقة بينهما.
وصريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، وهو نوعان: أحدهما أنت طالق ومطلقة وطلقتك. والثاني أنت الطلاق، وأنت طالق الطلاق، وأنت طالق طلاقاً؛ فالأول تقع به طلقة واحدة رجعية، ولا تصح فيه نية الثنتين والثلاث. والثاني تقع به واحدة رجعية، وتصح فيه نية الثلاث دون الثنتين، ولو نوى بقوله أنت طالق واحدةً، وبقوله طلاقاً أخرى وقعتا، وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو ما يعبر به عن الجملة كالرقبة والوجه والروح والجسد، أو إلى جزء شائع منها وقع، ونصف الطلقة تطليقة، وكذلك الثلث، وثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاث، وثلاثة أنصاف تطليقة ثنتان، ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث يقع ثنتان وإلى ثنتين تقع واحدة، ولو قال: واحدة في ثنتين وقعت واحدة، وثنتين في ثنتين اثنتان وإن نوى الحساب؛ ولو قال: أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة رجعية؛ ولو قال: أنت طالق بمكة أو في مكة طلقت في الحال في جميع البلاد؛ ولو قال: أنت طالق غداً تقع بطلوع الفجر، ولو نوى آخر النهار صدق ديانةً؛ ولو قال: في غد صحت قضاء أيضاً؛ ولو قال: أنت طالق اليوم غداً، أو غداً اليوم يؤخذ بأولهما ذكراً؛ ولو قال: أنت طالق قبل أن أتزوجك فليس بشيء؛ ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك وسكت طلقت، وإن قال: إن لم أطلقك، أو إذا لم أطلقك، أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى تموت؛ ولو قال أنت طالق ثلاثاً ما لم أطلقك أنت طالق فهي طالق هذه الواحدة؛ ولو قال: أنا منك طالق لم يقع شيء وإن نوى؛ ولو قال: أنا منك بائن أو عليك حرام ونوى الطلاق فواحدة بائنة؛ ولو قال: أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث فثلاث، وبالواحدة واحدة، وبالثنتين ثنتان، والمعتبر المنشورة، وإن أشار بظهورها فالمعتبر المضمومة.
ولو قال: أنت طالق بائن أو أفحش الطلاق أو أخبثه أو أشده أو أعظمه أو أكبره أو أشره أو أسوأه أو طلاق الشيطان أو البدعة أو كالجبل أو ملء البيت، أو تطليقةً شديدةً أو طويلةً أو عريضةً فهي واحدة بائنة، وإن نوى الثلاث فثلاث.
ومن طلق امرأته قبل الدخول ثلاثاً وقعن؛ ولو قال: أنت طالق وطالق، أو طالق طالق، أو واحدةً وواحدةً، أو واحدةً قبل واحدة، أو بعدها واحدة وقعت واحدة؛ ولو قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة، أو بعد واحدة فثنتان، ولو قال: مع واحدة أو معها واحدة فثنتان أيضاً؛ ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق واحدةً وواحدةً فدخلت وقعت واحدة؛ ولو قال: أنت طالق واحدةً وواحدةً إن دخلت الدار فدخلت وقعت ثنتان.
وكنايات الطلاق لا يقع بها إلا بنية أو بدلالة الحال، ويقع بائناً إلا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة فيقع بها واحدة رجعية.
وألفاظ البائن قوله: أنت بائن، بتة، بتلة، حرام، حبلك على غاربك، خلية، برية، الحقي بأهلك، وهبتك لأهلك، سرحتك، فارقتك، أمرك بيدك، تقنعي، استتري، أنت حرة، اغربي، اخرجي، ابتغي الأزواج؛ ويصح فيها نية الواحدة والثلاث، ولو نوى الثنتين فواحدة، ولو قال لها: اختاري ينوي الطلاق فلها أن تطلق نفسها في مجلس علمها، ويبطل خيارها بالقيام، وبتبدل المجلس، فإذا اختارت نفسها فهي واحدة بائنة، ولا يكون ثلاثاً وإن نواها، ولا بد من ذكر النفس أو ما يدل عليه في كلامه أو كلامها، ولو قال لها: اختاري اختاري، فقالت: اخترت اختيارةً، أو قالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فهي ثلاث، ولو قالت: طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي رجعية؛ ولو قال اختاري نفسك أو أمرك بيدك بتطليقة، فاختارت نفسها فهي واحدة رجعية؛ ولو خيرها فقالت: اخترت نفسي لا بل زوجي لا يقع، ولو قالت: نفسي أو زوجي لا يقع، ولو قالت: نفسي وزوجي طلقت، والأمر باليد كالتخيير يتوقف على المجلس، إلا أنه إذا قال: أمرك بيدك ونوى الثلاث صح؛ ولو قالت في جواب الأمر باليد: اخترت نفسي بواحدة فهي ثلاث؛ ولو قال لها: أمرك بيدك فاختارت نفسها يقع؛ ولو قال لها: طلقي نفسك فلها أن تطلق في المجلس وتقع واحدة رجعية، وليس له أن يرجع عنه، وإن طلقت نفسها ثلاثاً وقد أرادها الزوج وقعن، ولا تصح نية الثنتين إلا أن تكون أمةً فيصح، ولو كانت حرةً وقد طلقها واحدةً لا يصح نية الثنتين. ولو قالت: أبنت نفسي طلقت واحدةً رجعيةً؛ ولو قال لها: أمرك بيدك، فقالت: أنت علي حرام، أو أنت مني بائن، أو أنا عليك حرام، أو أنا منك بائن، فهو جواب وطلقت، ولو قالت: أنا منك طالق، أو أنا طالق وقع؛ ولو قال لها: طلقي نفسك متى شئت، أو متى ما شئت، أو إذا شئت، أو إذا ما شئت لا يتقيد بالمجلس، ولو ردته لا يرتد، وكذا لو قال لغيره: طلق امرأتي، ولو قال له: إن شئت اقتصر على المجلس؛ ولو قال لها: طلقي نفسك كلما شئت فلها أن تفرق الثلاث وليس لها أن تجمعها؛ ولو قال طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت واحدةً فهي واحدة؛ ولو قال: واحدة فطلقت ثلاثاً لم يقع شيء؛ ولو قال لها: طلقي نفسك واحدةً أملك الرجعة، فقالت: طلقت نفسي واحدةً بائنةً فهي رجعية؛ ولو قال: واحدةً بائنةً، فقالت: طلقت رجعيةً فهي بائنة؛ ولو قال لها: أنت طالق كيف شئت وقعت واحدة رجعية، وإن لم تشأ فإن شاءت بائنةً أو ثلاثاً وقد أراد الزوج ذلك وقع، وإن اختلفت مشيئتها وإرادته فواحدة رجعية؛ ولو قال: أنت طالق ما شئت أو كم شئت فلها أن تطلق نفسها ما شاءت؛ ولو قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فليس لها أن تطلق ثلاثاً وتطلق ما دونها.
وألفاظ الشرط: إن وإذا وإذاما ومتى ومتى ما وكل وكلما، فإذا علق الطلاق بشرط وقع عقيبه وانحلت اليمين وانتهت إلا في كلما؛ ولا يصح التعليق إلا أن يكون الحالف مالكاً كقوله لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق؛ أو يقول لعبده: إن كلمت زيداً فأنت حر؛ أو يضيفه إلى ملك كقوله لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق أو كل عبد أشتريه فهو حر. وزوال الملك لا يبطل اليمين، فإن وجد الشرط في ملك انحلت ووقع الطلاق، وإن وجد في غير ملك انحلت ولم يقع شيء؛ وإذا اختلفا في وجود الشرط فالقول للزوج والبينة للمرأة، وما لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها، كقوله: إن حضت فأنت طالق وفلانة، فقالت حضت طلقت هي خاصةً، وكذا التعليق بمحبتها؛ ولو قال: إن كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق وعبدي حر، فقالت أحب طلقت ولم يعتق العبد؛ ولو قال: إن ولدت غلاماً فأنت طالق واحدةً، وإن ولدت جارية فثنتين فولدتهما ولا يدري أيهما أولاً طلقت واحدةً، وفي التنزه ثنتين؛ ولو قال لها: إن جامعتك فأنت طالق ثلاثاً فأولجه ولبث ساعةً فلا شيء عليه، وإن نزعه ثم أولجه فعليه مهر، ولو كان الطلاق رجعياً تحصل المراجعة بالإيلاج الثاني.
ولو قال لها: أنت طالق إن شاء الله، أو ما شاء الله، أو ما لم يشإ الله، أو إلا أن يشاء الله لا يقع شيء إن وصل؛ ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة طلقت ثنتين، ولو قال: إلا ثنتين طلقت واحدةً؛ ولا يصح استثناء الكل من الكل، فلو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً وقع الثلاث ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدةً وواحدةً وواحدةً بطل الاستثناء؛ ولو قال: أنت طالق عشرةً إلا تسعةً وقعت واحدة، ولو قال إلا ثمانية فثنتان.
ومن أبان امرأته في مرضه ثم مات ورثته إن كانت في العدة، وإن انقضت عدتها لم ترث.
وإن أبانها بأمرها، أو جاءت الفرقة من جهتها في مرضه لم ترث كالمخيرة والمخيرة بسبب الجب والعنة والبلوغ والعتق، ولو فعلت ما ذكرنا من الخيارات وهي مريضة ورثها إذا ماتت وهي في العدة، ومرض الموت هو المرض الذي أضناه وأعجزه عن القيام بحوائجه، فأما من يجىء ويذهب بحوائجه ويحم فلا؛ ولو علق طلاق امرأته بفعله وفعله في المرض ورثت، وإن علقه بفعل أجنبي أو بمجىء الوقت في المرض مثل قوله: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو إن دخل فلان الدار أو صلى الظهر فأنت طالق، فإن كان التعليق والشرط في المرض ورثت، وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث، وإن علقه بفعلها ولها منه بد لم ترث على كل حال، وإن لم يكن لها منه بد كالصلاة وكلام الأقارب وأكل الطعام واستيفاء الدين ورثت.
باب الرجعة
الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء، وللزوج مراجعتها في العدة بغير رضاها وتثبت الرجعة بقوله، راجعتك، ورجعتك، ورددتك وأمسكتك، وبكل فعل تثبت به حرمة المصاهرة من الجانبين، ويستحب أن يشهد على الرجعة، فإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة فصدقته صحت الرجعة، وإن كذبته لم تصح ولا يمين عليها وإن قال لها: راجعتك، فقالت مجيبةً له: انقضت عدتي فلا رجعة وإذا قال زوج الأمة: راجعتها في العدة وصدقه المولى، وكذبته الأمة أو بالعكس فلا رجعة، وإذا انقطع الدم في الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل، وإن انقطع لأقل من عشرة أيام لم تنقطع حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة أو تتيمم وتصلى، وفي الكتابية تنقطع الرجعة بمجرد انقطاع الدم، فإن اغتسلت ونسيت شيئاً من بدنها، فإن كان أقل من عضو انقطعت الرجعة، ولا تحل للأزواج، وإن كان عضواً لم تنقطع؛ ومن طلق امرأته وهي حامل وقال: لم أجامعها فله الرجعة، وإن قال ذلك بعد الخلوة الصحيحة فلا رجعة له؛ وإذا قال لها: إذا ولدت فأنت طالق فولدت ثم ولدت آخر من بطن أخرى فهي رجعة؛ والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها، وله أن يتزوج مطلقته المبانة بدون الثلاث في العدة وبعدها، والمبانة بالثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها ثم تبين منه، ولا تحل للأول بملك اليمين ولا بوطء المولى والشرط هو الإيلاج دون الإنزال، وأن يكون المحلل يجامع مثله، فإن تزوجها بشرط التحليل كره وحلت للأول، والزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث، ولو طلقها ثلاثاً فقالت: قد انقضت عدتي وتحللت وانقضت عدتي والمدة تحتمله وغلب على ظنه صدقها جاز له أن يتزوجها.
باب الإيلاء
إذا قال: والله لا أقربك، أو لا أقربك أربعة أشهر فهو مول، وكذلك لو حلف بحج أو صوم أو صدقة أو عتق أو طلاق، فإن قربها في الأربعة الأشهر حنث وعليه الكفارة وبطل الإيلاء، وإن لم يقربها ومضت أربعة أشهر بانت بتطليقة؛ فإن كانت اليمين أربعة أشهر فقد انحلت، وإن كانت مؤبدة فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء على الوجه الذي بينا، فإن وطئها في الأربعة الأشهر من وقت التزوج حنث وإلا وقعت أخرى، فإن عاد فتزوجها فكذلك، فإن تزوجها بعد زوج آخر فلا إيلاء، فإن وطىء كفر للحنث؛ وأقل مدة الإيلاء في الحرة أربعة أشهر، ومدة إيلاء الأمة شهران؛ وإن آلى من المطلقة الرجعية فهو مول، ومن البائنة لا، وإن قال: لا أقربك شهرين بعد شهرين فهو مول؛ ولو قال: لا أقربك سنةً إلا يوماً فليس بمول، وإذا كان أحد الزوجين مريضاً لا يقدر على الجماع، أو هو مجبوب، أو هي رتقاء أو صغيرة، أو بينهما مسيرة أربعة أشهر، أو محبوساً لا يقدر عليها، فقال في مدة الإيلاء: فئت إليها سقط الإيلاء إن استمر العذر من وقت الحلف إلى آخر المدة، فإذا قدر على الجماع بعد ذلك في المدة لزمه الفىء بالجماع؛ وإن قال لامرأته: أنت على حرام، فإن أراد الكذب صدق، وإن أراد الطلاق فواحدة بائنة، وإن نوى الثلاث فثلاث، وإن أراد الظهار فظهار وإن أراد التحريم أو لم يرد شيئاً فهو إيلاء
باب الخلع
وهو أن تفتدى المرأة نفسا بمال ليخلعها به، فإذا فعلا لزمها المال ووقعت تطليقة بائنة، ويكره أن يأخذ منها شيئاً إن كان هو الناشز، وإن كانت هي الناشزة كره له أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وإن أخذ منها أكثر مما أعطاها حل له؛ وكذلك إن طلقها على مال فقبلت وقع الطلاق بائناً ويلزمها المال بالتزامها، وما صلح مهراً صلح بدلاً في الخلع، فإذا بطل البدل في الخلع كان بائناً وفي الطلاق يكون رجعياً؛ وإن قالت: خالعني على ما في يدي وليس في يدها شيء فلا شيء عليها؛ ولو قالت: على ما في يدي من مال، أو على ما في بيتي من متاع ولا شيء في يدها ولا متاع في بيتها ردت عليه مهرها؛ ولو خلع ابنته الصغيرة على مالها لا يلزمها شيء، وفي الكبيرة يتوقف على قبولها، ولو ضمن المال لزمه في المسألتين؛ ولو قالت: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدةً فعليها ثلث الألف، ولو عالت على ألف فطلقها واحدةً فلا شيء عليها وهي رجعية؛ ولو قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً بألف أو على ألف فطلقت واحدةً لم يقع شيء؛ ولو قال لها: أنت طالق وعليك ألف فقبلت طلقت ولا شيء عليها، والمباراة كالخلع يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح حتى لو كان قبل الدخول وقد قبضت المهر لا يرجع عليها بشيء ويعتبر خلع المريضة من الثلث.
باب الظهار
وهو أن يشبه امرأته أو عضواً يعبر به عن بدنها أو جزءاً شائعاً منها بعضو لا يحل النظر إليه من أعضاء من لا يحل له نكاحها على التأبيد؛ وحكمه: حرمة الجماع ودواعيه حتى يكفر، فإن جامع قبل التكفير استغفر الله تعالى، والعود الذي تجب به الكفارة أن يعزم على وطئها، وينبغي لها أن تمنع نفسها منه وتطالبه بالكفارة ويجبره القاضي عليها؛ ولو قال: أنت على مثل أمي أو كأمي، فإن أراد الكرامة صدق، وإن أراد الظهار فظهار، وإن أراد الطلاق فواحدة بائنة، وإن لم يكن له نية فليس بشيء؛ ولو قال لنسائه: أنتن علي كظهر أمي فعليه لكل واحدة كفارة، وإن ظاهر منها مراراً في مجلس واحد أو في مجالس فعليه لكل ظهار كفارة.
والكفارة عتق رقبة يجزىء فيها مطلق الرقبة السليمة، ولا يجزىء المدبر وأم الولد والمكاتب الذي أدى بعض كتابته، ولا مقطوع اليدين أو إبهاميهما أو الرجلين، ولا الأعمى ولا الأصم ولا الأخرس ولا المجنون المطبق ولا معتق البعض؛ وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي الكفارة أجزأه؛ وإن أعتق نصف عبده ثم جامعها ثم أعتق باقية لم يجزه، وإن لم يجامع بين الإعتاقين أجزأه؛ والعبد لا يجزئه في الظهار إلا الصوم، فإن لم يجد ما يعتق صام شهرين متتابعين ليس فيهما رمضان ويوما العيد وأيام التشريق، فإن جامعها في الشهرين ليلاً أو نهاراً عامداً أو ناسياً بعذر أو بغير عذر استقبل، فإن لم يستطع الصيام أطعم ستين مسكيناً، ويطعم كما ذكرنا في صدقة الفطر أو قيمة ذلك، فإن غداهم وعشاهم جاز، ولا بد من شبعهم في الأكلتين، ولا بد من الإدام في خبز الشعير دون الحنطة، ولو أطعم مسكيناً ستين يوماً أجزأه، وإن أعطاه في يوم واحد عن الكل أجزأه عن يوم واحد، فإن جامعها في خلال الإطعام لم يستأنف، ومن أعتق رقبتين أو صام أربعة أشهر أو أطعم مائةً وعشرين مسكيناً عن كفارتي ظهار أجزأه عنهما وإن لم يعين، وإن أطعم ستين مسكيناً كل مسكين صاعاً من بر عن كفارتين لم يجزه إلا عن واحدة، وإن أعتق وصام عن كفارتي ظهار فله أن يجعل ذلك عن أيهما شاء.
باب اللعان
ويجب بقذف الزوجة بالزنا أو بنفي الولد إذا كان من أهل الشهادة وهي ممن يحد قاذفها وطالبته بذلك، فإن امتنع منه حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد، فإذا لاعن وجب عليها اللعان، وتحبس حتى تلاعن أو تصدقه، وإذا لم يكن الزوج من أهل الشهادة فعليه الحد، وإن كان من أهل الشهادة وهي ممن لا يحد قاذفها فلا حد عليه ولا لعان ويعزر.
وصفة اللعان أن يبتدىء القاضي بالزوج فيشهد أربع مرات يقول في كل مرة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا، ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتك به من الزنا؛ وإن كان القذف بولد يقول: فيما رميتك به من نفي الولد. وإن كان بهما يقول: فيما رميتك به من الزنا ومن نفي الولد. ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا، وفي نفي الولد تذكره؛ فإذا التعنا فرق الحاكم بينهما، فإذا فرق بينهما كانت تطليقةً بائنة، فإن كان القذف بولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه، وإذا قال: حملك ليس مني فلا لعان.
ويصح نفي الولد عقيب الولادة وفي حالة التهنئة وابتياع آلة الولادة فيلاعن وينفيه القاضي، وبعد ذلك يثبت نسبه ويلاعن، وإن كان غائباً فعلم فكأنها ولدت حال علمه؛ ومن ولدت ولدين في بطن واحد فاعترف بالأول ونفى الثاني ثبت نسبهما ولاعن، وإن عكس فنفى الأول واعترف بالثاني ثبت نسبهما وحد.
باب العدة
عدة الحرة التي تحيض في الطلاق والفسخ بعد الدخول ثلاث حيض، والصغيرة والآيسة ثلاثة أشهر؛ وعدتهن في الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ وعدة الأمة في الطلاق حيضتان، وفي الصغر والإياس شهر ونصف؛ وعدتها في الوفاة شهران وخمسة أيام؛ وعدة الكل في الحمل وضعه؛ ولا عدة في الطلاق قبل الدخول، ولا على الذمية في طلاق الذمي؛ وعدة أم الولد من موت سيدها والإعتاق ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر؛ والعدة في النكاح الفاسد والوطء بشبهة بالحيض في الموت والفرقة؛ وعدة امرأة الفار أبعد الأجلين في البائن وعدة الوفاة في الرجعي؛ ولو أعتقت الأمة في العدة من طلاق رجعي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر وفي البائن لا، ولو اعتدت الآيسة بالأشهر ثم رأت الدم بعد ذلك أو الصغيرة ثم رأته في خلال الشهر استأنفت بالحيض؛ ولو اعتدت بحيضة أو حيضتين ثم أيست استأنفت بالشهور.
وابتداء عدة الطلاق عقيبه والوفاة عقيبها، وتنقضي بمضي المدة وإن لم تعلم بهما؛ وابتداء عدة النكاح الفاسد عقيب التفريق أو عزمه على ترك الوطء، وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة وأخرى ويتداخلان، فإن حاضت حيضة ثم وطئت كملها بثلاث آخر، وأقل مدة العدة شهران، ولا ينبغي أن تخطب المعتدة، ولا بأس بالتعريض، وعلى المعتدة من نكاح صحيح عن وفاة أو طلاق بائن إذا كانت بالغةً مسلمةً حرةً أو أمةً الحداد، وهو ترك الطيب والزينة والكحل والدهن والحناء إلا من عذر؛ ولا تخرج المبتوتة من بيتها ليلاً ولا نهاراً، والمعتدة عن وفاة تخرج نهاراً وبعض الليل وتبيت في منزلها، والأمة تخرج لحاجة المولى في العدتين في الوقتين جميعاً، وتعتد في البيت الذي كانت تسكنه حال وقوع الفرقة إلا أن ينهدم أو تخرج منه أو لا تقدر على أجرته فتنتقل.
فصل
أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنتان، وإذا أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه، ولستة أشهر لا؛ ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية وإن جاءت به لأكثر من سنتين ما لم تقر بانقضاء العدة؛ فإن جاءت به لأقل من سنتين بانت ويثبت النسب ولا يصير مراجعاً، وإن جاءت به لسنتين أو أكثر كان رجعة، ويثبت نسب ولد المبتوتة والمتوفي عنها زوجها لأقل من سنتين، ولا يثبت لأكثر من ذلك إلا أن يدعيه؛ ولا يثبت نسب ولد المعتدة إلا بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، أو حبل ظاهر، أو اعتراف الزوج، أو تصديق الورثة؛ ولا يثبت نسب ولد المطلقة الصغيرة رجعيةً كانت أو مبتوتةً إلا أن تأتي به لأقل من تسعة أشهر، وفي عدة الوفاء لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام بساعة، ولو قال لها: إن ولدت فأنت طالق فشهدت امرأة بالولادة لم تطلق، وإن اعترف بالحبل تطلق بمجرد قولها، ولو قال لأمته: إن كان في بطنك ولد فهو مني فشهدت امرأة بالولادة فهي أم ولده.
باب النفقة
وتجب للزوجة على زوجها إذا سلمت إليه نفسها في منزله نفقتها وكسوتها وسكناها نعتبر بقدر حاله، وهو مقدر بكفايتها بلا تقتير ولا إسراف، ويفرض لها نفقة كل شهر وتسلم إليها، وللكسوة كل ستة أشهر، ويفرض لها نفقة خادم واحد؛ فإن نشزت المرأة فلا نفقة لها، وإن منعت نفسها حتى يوفيها مهرها فلها النفقة، ولو كانت كبيرة والزوج صغير فلها النفقة، وبالعكس لا، ولو كانا صغيرين فلا نفقة لها؛ ولو حجت أو حبست بدين أو غصبها غاصب فذهب بها فلا نفقة لها، وإن حج معها فلها نفقة الحضر؛ وإن مرضت في منزله فلها النفقة؛ وللأمة والمدبرة وأم الولد النفقة إن بوأها مولاها بيت الزوج وإلا فلا؛ فإن بوأها ثم استخدمها سقطت؛ ومن أعسر بالنفقة لم يفرق بينهما وتؤمر بالاستدانة؛ وإذا قضي لها بنفقة الإعسار ثم ايسر تمم لها نفقة الموسر؛ وإذا مضت مدة ولم ينفق عليها سقطت، إلا أن يكون قضي بها أو صالحته على مقدارها، فإن مات أحدهما بعد القضاء أو الاصطلاح قبل القبض سقطت، وإن أسلفها النفقة أو الكسوة ثم مات أحدهما لم يرجع بشيء؛ وإذا كان للغائب مال حاضر في منزله أو وديعة أو مضاربة أو دين وعلم القاضي به وبالنكاح، أو اعترف بهما من المال في يده يفرض فيه نفقة زوجته ووالديه وولده الصغير، وهذا إذا كان المال من جنس النفقة ويحلفها أنها ما أخذتها ويأخذ منها كفيلاً بها؛ وإن لم يعلم القاضي بذلك وأنكر من في يده المال الزوجية أو المال لم تقبل بينتها عليه؛ وعليه أن يسكنها داراً مفردةً ليس فيها أحد من أهله، وله أن يمنع أهلها وولدها من غيره الدخول عليها، ولا يمنعهم كلامها والنظر إليها، ولا يمنعهما من الدخول إليها كل جمعة وغيرهم من الأقارب كل سنة.
وللمطلقة النفقة والسكنى في عدتها بائناً كان أو رجعياً، ولا نفقة للمتوفي عنها زوجها؛ وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية كالردة وتقبيل ابن الزوج فلا نفقة لها؛ وإن جاءت بغير معصية كخيار العتق والبلوغ وعدم الكفاءة فلها النفقة، وإن كانت من جهة الزوج فلها النفقة بكل حال، وإن طلقها ثلاثاً ثم ارتدت سقطت النفقة، وإن مكنت ابن زوجها لم تسقط.
فصل
ونفقة الأولاد الصغار على الأب إذا كانوا فقراء، وليس على الأم إرضاع الصبي إلا إذا تعينت، فيجب عليها، ويستأجر الأب من ترضعه عندها، فإن استأجر زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، وبعد انقضاء العدة هي أولى من الأجنبية إلا أن تطلب زيادة أجرة؛ ونفقة الآباء والأجداد إذا كانوا فقراء على الأولاد الذكور والإناث؛ ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة وقرابة الولاد أعلى وأسفل، ونفقة ذي الرحم سوى الوالدين والولد تجب على قدر الميراث، وإنما تجب إذا كان فقيراً به زمانة لا يقدر على الكسب، أو تكون أنثى فقيرةً، وكذا من لا يحسن الكسب لخرقه أو لكونه من البيوتات، أو طالب علم، ونفقة زوجة الأب على ابنه، ونفقة زوجة الابن على أبيه إن كان صغيراً فقيراً أو زمناً، ولا تجب النفقة على فقير إلا للزوجة والولد الصغير، والمعتبر الغنى المحرم للصدقة؛ وإذا باع الأب متاع ابنه في نفقته جاز، ولو أنفق من مال له في يده جاز، وإذا قضى القاضي بالنفقة ثم مضت مدة سقطت إلا أن يكون القاضي أمر بالاستدانة عليه، وعلى المولى أن ينفق على رقيقه، فإن امتنع اكتسبوا وأنفقوا، وإن لم يكن لهم كسب أجبر على بيعهم، وسائر الحيوانات يجبر فيما بينه وبين الله تعالى.
فصل في الحضانة
وإذا اختصم الزوجان في الولد قبل الفرقة أو بعدها فالأم أحق، ثم أمها ثم أم الأب ثم الأخت لأبوين ثم لأم ثم لأب، ثم الخالات كذلك، ثم العمات كذلك أيضاً، وبنات الأخت أولى من بنات الأخ، وهن أولى من العمات، ومن لها الحضانة إذا تزوجت بأجنبي سقط حقها، فإن فارقته عاد حقها، والقول قول المرأة في نفي الزوج، ويكون الغلام عندهن حتى يستغني عن الخدمة، وتكون الجارية عند الأم والجدة حتى تحيض وعند غيرهما حتى تستغني، وإذا لم يكن للصغير امرأة أخذه الرجال، وأولاهم أقربهم تعصيباً، ولا تدفع الصبية إلى غير محرم، ولا إلى محرم ماجن فاسق؛ وإذا اجتمع مستحقو الحضانة في درجة واحدة فأورعهم أولى ثم أكبرهم، ولا حق للأمة وأم الولد في الحضانة؛ والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يخف عليه الكفر؛ وليس للأب أن يخرج بولده من بلده حتى يبلغ حد الاستغناء، وليس للأم ذلك إلا أن تخرجه إلى وطنها وقد وقع العقد فيه، إلا أن يكون تزوجها في دار الحرب وهو وطنها.
كتاب العتق
ولا يقع إلا من مالك قادر على التبرعات. وألفاظه: صريح، وكناية. فالصريح يقع بغير نية، وهو قوله: أنت حرن أو محرر، أو عتيق أو معتق، وأعتقتك، أو حررتك، وهذا مولاي، أو يا مولاي، أو هذه مولاتي، ويا حر، ويا عتيق، إلا أن يجعل ذلك اسماً له فلا يعتق؛ وكذلك إضافة الحرية إلى ما يعبر به عن البدن.
والكنايات تحتاج إلى النية، وذلك مثل قوله: لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، ولا رق، وخرجت من ملكي؛ وكذلك لو قال لأمته: أطلقتك، ولو قال طلقتك لا تعتق وإن نوى؛ وإن قال: هذا ابني أو أبي أو أمي عتق، ولو قال: هذا أخي لم يعتق، ولو قال: يا ابني أو يا أخي لم يعتق، ولو قال: أنت مثل الحر لم يعتق، ولو قال: ما أنت إلا حر عتق، ولو قال: لا سلطان لي عليك لم يعتق وإن نوى؛ وعتق المكره والسكران واقع.
ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه، ولو كان المالك صبياً أو مجنوناً، والمكاتب يتكاتب عليه قرابة الولاد لا غير؛ ومن أعتق عبده للصنم أو للشيطان عتق وكان عاصياً؛ ومن أعتق حاملاً عتق حملها معها، وإن أعتق حملها عتق خاصةً؛ والولد يتبع الأم في الحرية والرق والتدبير، وولد الأمة من مولاها حر، وولد المغرور حر بالقيمة، ومن أعتق عبده على مال فقبل عتق ولزمه المال؛ وإن قال: إن أديت إلي ألفاً فأنت حر صار مأذوناً ويعتق بالتخلية بينه وبين الألف، وله أن يبيعه قبل أداء المال.
ومن أعتق بعض عبده عتق وسعى في بقية قيمته لمولاه، والمستسعى كالمكاتب، ولو أعتق أحد الشريكين نصيبه عتق، فإن كان قادراً على قيمة نصيب شريكه فاضلاً عن ملبوسه، وقوت يومه وعياله، فشريكه إن شاء أعتق، وإن شاء دبر، وإن شاء كاتب، وإن شاء ضمن المعتق، وإن شاء استسعى العبد؛ وإن كان معسراً فكذلك إلا أنه لا يضمن.
وإذا اشتريا ابن أحدهما عتق نصيب الأب، وشريكه إن شاء أعتق وإن شاء استسعى علم أو لم يعلم، ولو قال لعبديه: أحدكما حر ثم باع أحدهما أو عرضه على البيع أو دبره أو مات عتق الآخر، وكذا إذا استولد إحدى الجاريتين، ولو قال لأمتيه: إحداكما حرة ثم وطىء إحداهما لا تعتق الأخرى ولو شهد أنه أعتق أحد عبديه أو إحدى أمتيه فهي باطلة.
باب التدبير
وإذا قال لعبده: إذا مت فأنت حر، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر، أو قد دبرتك، أو أنت حر مع موتي، أو عند موتي، أو في موتي، أو أوصيت لك بنفسك أو برقبتك، أو بثلث مالي، فقد صار مدبراً، وتجوز كتابته؛ وإذا ولدت المدبرة من مولاها صارت أم ولد له وسقط عنها التدبير ولا تسعى في شيء أصلاً، وله استخدامها وإجارتها ووطؤها، وكسبها وأرشها للمولى؛ وإذا مات المولى عتق من ثلث ماله، فإن لم يخرج فبحسابه؛ وإن كان على المولى دين سعى في كل قيمته؛ ولو دبر أحد الشريكين وضمن نصف شريكه ثم مات عتق نصفه بالتدبير وسعى في نصفه؛ وإن قال له: إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا، أو إن مت إلى عشرين سنةً فهو تعليق يجوز بيعه، فإن مات على تلك الصفة عتق.
باب الاستيلاد
لا يثبت نسب ولد الأمة من مولاها إلا بدعواه، فإذا اعترف به صارت أم ولده، فإذا ولدت منه بعد ذلك ثبت بغير دعوة، وينتفي بمجرد نفيه بغير لعان، ولا يجوز إخراجها من ملكه إلا بالعتق، وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وكتابتها، وتعتق بعد موته من جميع المال، ولا تسعى في ديونه؛ وحكم ولدها من غيره بعد الاستيلاد حكمها؛ وإذا أسلمت أم ولد النصراني سعت في قيمتها وهي كالمكاتبة، ولو مات سيدها عتقت بلا سعاية؛ ولو تزوج أمة غيره فجاءت بولد ثم ملكها صارت أم ولد له؛ ولو وطىء جارية ابنه فولدت وادعاه ثبت نسبه وصارت أم ولد له وعليه قيمتها دون عقرها وقيمة ولدها، والجد كالأب عند انقطاع ولايته.
جارية بين اثنين ولدت فادعاه أحدهما ثبت نسبه، وعليه نصف قيمتها ونصف عقرها ولا شيء عليه من قيمة ولدها، وإن ادعياه معاً صارت أم ولد لهما ويثبت نسبه منهما، وعلى كل واحد منهما نصف عقرها، ويرث من كل واحد منهما كابن، ويرثان منه كأب واحد.
كتاب المكاتب
ومن كاتب عبده على مال فقبل صار مكاتباً، والصغير الذي يعقل كالكبير، وسواء شرطه حالاً أو مؤجلاً أو منجماً، وإذا صحت الكتابة يخرج عن يد المولى دون ملكه.
وإذا أتلف المولى ماله غرمه، وإن وطىء المكاتبة فعليه عقرها، ولو جنى عليها أو على ولدها لزمه الأرش؛ وإن أعتق المولى المكاتب نفذ عتقه وسقط عنه مال الكتابة، وهو كالمأذون في جميع التصرفات، إلا أنه لا يمتنع بمنع المولى، وله أن يسافر ويزوج الأمة ويكاتب عبده، فإن أدى قبله فولاؤه للمولى، وإن أدى الأول قبله فولاؤه له، وإن ولد له من أمته ولد فحكمه كحكمه وكسبه له، وكذلك ولد المكاتبة معها. ولو زوج أمته من عبده ثم كاتبهما فولدت دخل في كتابة الأم، وإن ولدت من مولاها إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت صارت أم ولد له وعجزت نفسها، وإن كاتب أم ولده جاز، فإذا مات سقط عنها مال الكتابة، وإن كانت مدبرةً جاز، فإن مات المولى ولا مال له إن شاء سعى في ثلثي قيمته أو جميع بدل الكتابة.
وإذا كاتب المسلم عبده على خمر، أو خنزير، أو على قيمة العبد، أو على ألف على أن يرد إليه عبداً بغير عينه فهو فاسد، فإن أدى الخمر عتق، وإذا عتق بأداء الخمر فعليه قيمة نفسه لا ينقص عن المسمى ويزاد عليه، وفيما إذا كاتبه على قيمته يعتق بأداء القيمة. والكتابة على الدم والميتة باطلة، وعلى الحيوان والثوب كالنكاح ولو كاتب الذمي عبده على خمر جاز، وأيهما أسلم فللمولى قيمة الخمر.
ولو كاتب عبديه كتابةً واحدةً إن أديا عتقا، وإن عجزا ردا إلى الرق، ولا يعتقان إلا بأداء الجميع، ولا يعتق أحدهما بأداء نصيبه، فإن عجز أحدهما فرد إلى الرق ثم أدى الآخر جميع الكتابة عتقاً، ولو كانا لرجلين فكاتباهما كذلك فكل واحد منهما مكاتب بحصته يعتق بأدائها، وإن كاتبهما على أن كل واحد منهما ضامن عن الآخر جاز، فأيهما أدى عتقاً، ويرجع على شريكه بنصف ما أدى.
وإذا مات المكاتب وترك وفاءً أديت مكاتبته وحكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته ويعتق أولاده، فإن فضل شيء فلورثته، فإن لم يترك وفاءً وترك ولداً ولد في الكتابة سعى كالأب؛ وإن ترك ولداً مشترىً فإن أدى الكتابة حالاً وإلا رد في الرق، وإذا مات المولى أدى الكتابة إلى ورثته على نجومه، وإن أعتقه أحدهم لم يعتق، وإن أعتقوه جميعاً عتق، وإذا عجز المكاتب عن نجم نظر الحاكم، فإن كان له مال يرجو وصوله أنظره يومين أو ثلاثةً ولا يزاد عليها، وإن لم يكن له جهة عجزه وعاد إلى أحكام الرق.
كتاب الولاء
وهو نوعان: ولاء عتاقة، وولاء موالاة؛ وسبب ولاء العتاقة الإعتاق، وعتق القريب بالشراء، والمكاتب بالأداء، والمدبر، وأم الولد بالموت إعتاق، ويثبت للمعتق ذكراً كان أو أنثى، وإن شرطه لغيره أو سائبةً ولا ينتقل عنه أبداً، فإذا مات فهو لأقرب عصبته فيكون لابنه دون أبيه إذا اجتمعا، وإن استووا في القرب فهم سواء، وليس للنساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن أو أعتق من أعتقن أو جر ولاء معتقهن بأن زوجت عبدها معتقة الغير فولدت فولاؤه لموالي الزوجة. وسبب ولاء الموالاة العقد. وصورته: إذا أسلم على يد رجل ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه فقال: أنت مولاي ترثني إذا مت، وتعقل عني إذا جنيت فيقبل الآخر فذلك صحيح، فإذا مات ولا وارث له ورثه، وله أن يفسخ عقد الولاء بالقول والفعل، فإن عقل عنه أو عن ولده ليس له ذلك، وإذا أسلمت المرأة ووالت أو أقرت بالولاء وفي يدها ابن صغير تبعها في الولاء.
كتاب الأيمان
اليمين بالله تعالى ثلاثة: غموس، وهي الحلف على أمر ماض أو حال يتعمد فيها الكذب فلا كفارة فيها. ولغو: وهي الحلف على أمر يظنه كما قال وهو بخلافه، فنرجو أن لا يؤاخذه الله بها. ومنعقدة: وهي الحلف على أمر في المستقبل ليفعله أو يتركه، وهي أنواع: منها ما يجب فيه البر كفعل الفرائض ومنع المعاصي، ونوع يجب فيه الحنث كفعل المعاصي وترك الواجبات، ونوع الحنث فيه خير من البر كهجران المسلم ونحوه، ونوع هما على السواء، فحفظ اليمين فيه أولى، وإذا حنث فعليه الكفارة: إن شاء أعتق رقبةً، وإن شاء أطعم عشرة مساكين أو كساهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات، ولا يجوز التكفير قبل الحنث، والقاصد والمكره والناسي في اليمين سواء.
فصل
وحروف القسم: الباء، والواو، والتاء؛ وتضمر الحروف فتقول: الله لا أفعل كذا؛ واليمين بالله تعالى وبأسمائه، ولا يحتاج إلى نية إلا فيما يسمى به غيره كالحكيم والعليم، وبصفات ذاته كعزة الله وجلاله، إلا وعلم الله فلا يكون يميناً، وكذلك ورحمة الله وسخطه وغضبه؛ والحلف بغير الله تعالى ليس بيمين كالنبي والقرآن والكعبة، والبراءة منه يمين، وحق الله ليس بيمين، والحق يمين؛ ولو قال: إن فعلت كذا فعليه لعنة الله، أو هو زان أو شارب خمر فليس بيمين، ولو قال: هو يهودي أو نصراني فهو يمين، ولو قال: لعمر الله، أو وايم الله، أو وعهد الله، أو وميثاقه، أو على نذر، أو نذر الله فهو يمين؛ ولو قال: أحلف، أو أقسم، أو أشهد، أو زاد فيها ذكر الله تعالى فهو يمين؛ ومن حرم على نفسه ما يملكه فإن استباحه أو شيئاً منه لزمته الكفارة، ولو قال: كل حلال على حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوي غيرهما، ومن حلف حالة الكفر لا كفارة في حنثه؛ ومن قال: إن شاء الله متصلاً بيمينه فلا حنث عليه.
فصل
حلف لا يخرج، فأمر رجلاً فأخرجه حنث، وإن أخرجه مكرهاً لا يحنث.
حلف لا يخرج إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجةً أخرى لم يحنث. حلف لا يخرج إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع حنث؛ وكذلك الذهاب في الأصح، وفي الإتيان لا يحنث حتى يدخلها. حلف لا تدخل امرأته إلا بإذنه فلا بد من الإذن في كل مرة؛ ولو قال: إلا أن آذن لك يكفيه إذن واحد.
حلف لا يدخل هذه الدار فصارت صحراء ودخلها حنث؛ ولو قال: داراً لم يحنث، وفي البيت لا يحنث في الوجهين. حلف لا يدخل بيتاً لم يحنث بالكعبة والمسجد والبيعة والكنيسة. حلف لا يدخل هذه الدار فقام على سطحها حنث، ولو دخل دهليزها إن كان لو أغلق الباب كان داخلاً حنث وإلا فلا، ولو كان في الدار لم يحنث بالقعود.
فصل
حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فنزعه للحال لم يحنث، وإن لبث ساعة حنث، وكذلك ركوب الدابة وسكنى الدار. حلف لا يسكن هذه الدار فلا بد من خروجه بأهله ومتاعه أجمع.
قال له: اجلس فتغد عندي، فقال: إن تغديت فعبدي حر، فرجع وتغدى في بيته لم يحنث. ولو أرادت الخروج فقال لها: إن خرجت فأنت طالق فجلست ثم خرجت لم تطلق، ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده المأذون لم يحنث مديوناً كان أو غير مديون.
حلف لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح أو هلل لم يحنث. حلف لا يكلمه شهراً فمن حين حلف.
حلف لا يكلمه فكلمه بحيث يسمع إلا أنه نائم حنث، ولو كلم غيره وقصد أن يسمع لم يحنث؛ ولو سلم على جماعة هو فيهم حنث، وإن نواهم دونه لم يحنث.
حلف لا يكلم عبد فلان يعتبر ملكه يوم الحنث لا يوم الحلف، وكذا الثوب والدار؛ ولو قال: عبد فلان هذا، أو داره هذه لا يحنث بعد البيع، وفي الصديق والزوج والزوجة يحنث بعد المعاداة والفراق.
فصل
الحين والزمان: ستة أشهر في التعريف والتنكير. والدهر: الأبد؛ ودهراً قال أبو حنيفة: لا أدري ما هو، والأيام والشهور والسنون عشرة، وفي المنكر ثلاثة.
حلف لا يأكل من هذه الحنطة لا يحنث ما لم يقضمها ومن هذا الدقيق يحنث بخبزه دون سفه؛
والخبز ما اعتاده أهل البلد، والشواء من اللحم؛ والطبيخ ما يطبخ من اللحم بالماء، ويحنث بأكل مرقه، والرءوس: ما يكبس في التنانير ويباع في السوق، والرطب والعنب والرمان والخيار والقثاء ليس بفاكهة، والإدام ما يصطبغ به: كالخل والزيت والملح، والغداء: من طلوع الفجر إلى الظهر، والعشاء: من الظهر إلى نصف الليل، والسحور: من نصف الليل إلى طلوع الفجر، والشرب من النهر: الكرع منه.
ولو حلف لا يشرب من الحب أو البئر يحنث بالإناء، والسمك والألة ليسا بلحم، والكرش والكبد والرئة والفؤاد والكلية والرأس والأكارع والأمعاء والطحال لحم، والشحم شحم البطن.
حلف لا يأكل من هذا البسر فأكله رطباً لم يحنث، وكذا الرطب إذا صار تمراً واللبن شيرازاً.
حلف لا يأكل من هذا الحمل فصار كبشاً فأكله حنث. حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها ودبسها غير المطبوخ، ومن هذه الشاة فعلى اللحم واللبن والزبد، ولا يدخل بيض السمك في البيض، والشراء كالأكل.
حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن في الهواء انعقدت يمينه وحنث للمحال حلف ليأتينه إن استطاع فهي على استطاعة الصحة. حلف ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته؛ ولو قال: إن أكلت، أو شربت، أو لبست، أو كلمت، أو تزوجت، أو خرجت ونوى شيئاً بعينه لم يصدق؛ ولو قال: إن أكلت طعاماً، أو شربت شراباً، أو لبست ثوباً، ونحو ذلك ونوى شيئاً دون شيء صدق ديانةً خاصةً، والريحان اسم لما لا ساق له فلا يحنث بالياسمين والورد.
والورد والبنفسج هو الورق. والخاتم النقرة ليس بحلي، والذهب حلي، والعقد اللؤلؤ ليس بحلي حتى يكون مرصعاً. حلف لا ينام على فراش فجعل عليه فراشاً آخر ونام لم يحنث، وأن جعل قراماً فنام حنث، والضرب والكلام والكسوة والدخول عليه يتقيد بحال الحياة.
حلف ليضربنه حتى يموت أو حتى يقتله فهو على أشد الضرب. حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو مد شعرها أو عضها حنث.
حلف لا يصوم فنوى وصام ساعةً حنث، وإن قال صوما لم يحنث إلا بتمام اليوم. حلف لا يصلي فقام وقرأ وركع لم يحنث ما لم يسجد؛ ولو قال: صلاةً لم يحنث إلا بتمام ركعتين. ومن
قال لأمته: إن ولدت ولداً فأنت حرة فولدت ولداً ميتاً عتقت، وكذلك الطلاق، ولو قال: فهو حر فولدت ميتاً ثم حياً عتق الحي؛ ومن قال: من بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشره جماعة متفرقون عتق الأول، وإن بشروه جميعاً عتقوا؛ ولو قال: من أخبرني عتقوا في الوجهين. قال: إن تسريت جاريةً فهي حرة فتسرى جاريةً كانت في ملكه عتقت، ولو اشتراها وتسرى بها لم تعتق. حلف لا يتزوج فزوجه غيره بغير أمره، فإن أجاز بالقول حنث، وإن أجاز بالفعل لا يحنث، ولو أمر غيره أن يزوجه حنث، وكذلك الطلاق والعتاق. حلف لا يزوج عبده أو أمته يحنث بالتوكيل والإجازة وكذلك ابنه وابنته الصغيرين، وفي الكبيرين لا يحنث إلا بالمباشرة. حلف لا يضرب عبده فوكل به حنث، وإن نوى أن لا يباشره بنفسه صدق قضاءً. ولو حلف لا يضرب ولده فأمر به لم يحنث؛ وذبح الشاة كضرب العبد. حلف لا يبيع فوكل به لم يحنث، وكذا سائر المعاوضات المالية.
حلف لا يبيع فباع ولم يقبل المشتري لا يحنث، وكذلك الإجارة والصرف والسلم والرهن والنكاح والخلع، ولو وهب أو تصدق، أو أعار فلم يقبل حنث. حلف ليقضين دينه إلى قريب فما دون الشهر، وبعيد أكثر من الشهر، وإن قال: ليقضينه اليوم ففعل، وبعضها زيوف، أو نبهرجة، أو مستحقة لم يحنث، ولو كان رصاصاً أو ستوقةً حنث.
حلف لا يقبض دينه متفرقاً فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض باقيه، وإن قبضه في وزنتين متعاقباً لم يحنث. حلف لا يفعل كذا تركه أبداً، وإن قال: لأفعلنه بر بواحدة. استحلف الوالي رجلاً ليعلمنه بكل مفسد فهو على حال ولايته خاصةً. حلف ليهبنه ففعل ولم يقبل بر، وكذلك القرض والعارية والصدقة.
فصل
ولو نذر نذراً مطلقاً فعليه الوفاء به، وكذلك إن علقه بشرط فوجد. وعن أبي حنيفة رحمه الله آخراً: أنه يجزئه كفارة يمين إذا كان شرطاً لا يريد وجوده، ولو نذر ذبح ولده أو نحره لزمه ذبح شاة
كتاب الحدود
وهي عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله تعالى. والزنا: وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهته، ويثبت بالبينة والإقرار. والبينة: أن يشهد أربعة على رجل وامرأة بالزنا، فإذا شهدوا يسألهم القاضي عن ماهيته وكيفيته ومكانه وزمانه والمزني بها، فإذا بينوا ذلك، وذكروا أنها محرمة عليه من كل وجه، وشهدوا به كالميل في المكحلة، وعدلوا في السر والعلانية حكم به، فإن نقصوا عن أربعة فهم قذفة، وإن رجعوا قبل الرجم سقط وحدوا، وإن رجعوا بعد الرجم يضمنون الدية، وإن رجع واحد فربعها، وإن شهدوا بزناً متقادم لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل.
ويثبت بالإقرار، وهو أن يقر العاقل البالغ أربع مرات في أربع مجالس يرده القاضي في كل مرة حتى لا يراه، ثم يسأله كما يسأل الشهود إلا عن الزمان، فإذا بين ذلك لزمه الحد.
وإذا رجع عن إقراره قبل الحد أو في وسطه خلى سبيله. ويستحب للإمام أن يلقنه الرجوع كقوله له: لعلك وطئت بشبهة، أو قبلت، أو لمست.
وحد الزاني إن كان محصناً الرجم بالحجارة حتى يموت، يخرج إلى أرض فضاء، فإن كان ثبت بالبينة يبتدىء الشهود ثم الإمام ثم الناس، فإذا متنع الشهود أو بعضهم لا يرجم، وإن ثبت بالإقرار ابتدأ الإمام ثم الناس، وإن لم يكن محصناً فحده الجلد مائة للحر وخمسون للعبد، ويضرب بسوط لا ثمرة له ضرباً متوسطاً يفرقه على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه، ويجرد عن ثيابه إلا الإزار، ولا تجرد المرأة إلا عن الفرو والحشو، وإن حفر لها في الرجم جاز، ويضرب الرجل قائماً في جميع الحدود، ولا يجمع على المحصن الجلد والرجم، ولا يجمع على غير المحصن الجلد والنفي إلا أن يراه الإمام مصلحةً فيفعله بما يراه، ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام، وإذا كان الزاني مريضاً، فإن كان محصناً رجم، وإلا لا يجلد حتى يبرأ، والمرأة الحامل لا تحد حتى تضع حملها، فإن كان حدها الجلد فحتى تتعالى من نفاسها، وإن كان الرجم فعقيب الولادة، وإن لم يكن للصغير من يربيه فحتى يستغني عنها.
وإحصان الرجم: الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والدخول، وهو الإيلاج في القبل في نكاح صحيح وهما بصفة الإحصان.
ويثبت الإحصان بالإقرار، أو بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين؛ وكذلك إن كان بينهما ولد معروف.
فصل
ومن وطىء جارية ولده وإن سفل وقال: علمت أنها على حرام، أو وطىء جارية أبيه وإن علا أو أمه أو زوجته أو سيده أو معتدته عن ثلاث وقال: ظننت أنها حلال لم يحد، ولو قال: علمت أنها حرام حد؛ وفي جارية الأخ والعم يحد بكل حال، ولو استأجر امرأة ليزني بها وزنى بها، أو وطىء أجنييةً فيما دون الفرج، أو لاط فلا حد عليه ويعزر، ولو زفت إليه غير امرأته فوطئها لا يحد وعليه المهر؛ ولو وجد على فراشه امرأةً فوطئها حد؛ والزنا في دار الحرب والبغي لا يوجب الحد؛ وواطىء البهيمة يعزر، ولو زنى بصبية أو مجنونة حد؛ ولو طاوعت العاقلة البالغة صبياً أو مجنوناً لا يحد. وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطاً، وأقله ثلاثة، والتعزير أشد الضرب، ثم حد الزنا، ثم حد الشرب، ثم حد القذف.
باب حد القذف
وهو ثمانون سوطاً للحر وأربعون للعبد، ويجب بقذف المحصن بصريح الزنا، وتجب إقامته بطلب المقذوف، ويفرق عليه ولا ينرع عنه إلا الفرو والحشو، ويثبت بإقراره مرةً واحدةً، وبشهادة رجلين، ولا يبطل بالتقادم والرجوع. وإحصان القذف: العقل والبلوغ والحرية والإسلام والعفة عن الزنا؛ ومن قال لغيره: يا ابن الزانية، أو لست لأبيك حد، ولا يطالب بقذف الميت إلا من يقع القدح بقذفه في نسبه؛ وليس للابن والعبد أن يطالب أباه أو سيده بقذف أمه الحرة. ومن وطىء وطئاً حراماً في غير ملكه والملاعنة بولد لا يحد قاذفهما، وإن لاعنت بغير ولد حد، والمستأمن يحد بالقذف، وإذا مات المقذوف بطل الحد، ولا يورث، ولا يصح العفو عنه ولا الاعتياض.
ومن قال لمسلم: يا فاسق، أو يا خبيث، أو يا كافر، أو يا سارق، أو يا محنث عزر؛ وكذلك يا حمار يا خنزير إن كان فقيهاً أو علوياً. ومن حده الإمام أو عزره فمات فهو هدر. وللزوج أن يعزر زوجته على ترك الزينة، وترك إجابته إلى فراشه، وترك غسل الجنابة، وعلى الخروج من المنزل، ومن سرق، أو زنى، أو شرب غير مرة فحد فهو للكل.
باب حد الشرب
وهو كحد الزنا كيفيةً، وحد القذف كميةً وثبوتاً، غير أنه يبطل بالرجوع والتقادم في البينة والإقرار، والتقادم بذهاب السكر والرائحة، فلو أخذ وريحها توجد منه فلما وصل إلى الإمام انقطعت لبعد المسافة حد، ويحد بشرب قطرة من الخمر، وبالسكر من النبيذ؛ والسكران من لا يعرف الرجل من المرأة، والأرض من السماء؛ ولا يحد حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وشربه طوعاً، ولا يحد حتى يزول عنه السكر، ولا يحد من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها.
كتاب الأشربة
المحرم منها الخمر وهي النىء من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد.
الثاني: العصير إذا طبخ فذهب أقل من ثلثه وهو الطلاء، وإن ذهب نصفه فالمنصف.
الثالث: السكر، وهو النىء من ماء الرطب إذا غلا كذلك.
الرابع: نقيع الزبيب، وهو النىء من ماء الزبيب إذا غلا واشتد كذلك، وحرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر فيجوز بيعها وتضمن بالإتلاف، ولا يحد شاربها حتى يسكر، ولا يكفر مستحلها؛ ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ أدنى طبخة حلال، وإن اشتد إذا شرب ما لم يسكر من غير لهو. وعصير العنب إذا طبخ فذهب ثلثاه حلال، وإن اشتد إذا قصد به التقوى، وإن قصد به التلهي فحرام.
ونبيذ العسل والتين والحنطة والشعير والذرة حلال طبخ أو لا؛ وفي حد السكران منه روايتان؛ ويكره شرب دردي الخمر والامتشاط به. ولا بأس بالانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير، وخل الخمر حلال سواء تخللت أو خللت
كتاب السرقة
وهي أخذ العاقل البالغ نصاباً محرزاً، أو ما قيمته نصاباً ملكاً للغير لا شبهة له فيه على وجه الحفية.
والنصاب دينار أو عشرة دراهم مضروبةً من النقرة.
والحرز يكون بالحافظ وبالمكان كالدور والبيوت والحانوت، ولا يعتبر فيه الحافظ. وإذا سرق من الحمام ليلاً قطع، وبالنهار لا وإن كان صاحبه عنده؛ والمسجد والصحراء حرز بالحافظ، والجوالق والفسطاط كالبيت، فإن سرق الفسطاط والجوالق لا يقطع إلا أن يكون لهما حافظ، ولهذا قالوا: لا يقطع النباش، وتثبت السرقة بما يثبت به القذف، ويسأل الشهود عن كيفيتها وزمانها ومكانها وماهيتها، ولا بد من حضور المسروق منه عند الإقرار والشهادة والقطع.
وإذا دخل جماعة الحرز وتولى بعضهم الأخذ قطعوا إن أصاب كل واحد نصاب؛ وإن نقب فأدخل يده وأخرج المتاع، أو دخل فناول المتاع آخر من خارج لم يقطع، وإن ألقاه في الطريق ثم أخذه قطع، ولو حمله على حمار وساقه قطع، وإن أدخل يده في صندوق الصيرفي أو كم غيره وأخذ قطع.
ولا قطع فيما يوجد تافهاً في دار الإسلام: كالحطب والسمك والصيد والطير والنورة والزرنيخ ونحوها، ولا ما يتسارع إليه الفساد: كالفواكه الرطبة واللبن واللحم، ولا ما يتأول فيه الإنكار: كالأشربة المطربة، وآلات اللهو والنرد والشطرنج، وصليب الذهب، ولا في سرقة المصحف المحلى، والصبي الحر المحلى.
ولا في سرقة العبد، ولا في سرقة الزرع قبل حصاده والثمرة على الشجر ولا في كتب العلم؛ ويقطع في الساج والقنا والأبنوس والصندل والعود والياقوت والزبرجد والفصوص كلها، والأواني المتخذة من الخشب؛ ولا قطع على خائن، ولا نباش، ولا منتهب، ولا مختلس ولا من سرق من ذي رحم محرم، أو من سيده، أو من امرأة سيده، أو زوج سيدته، أو زوجته، أو مكاتبه، أو من بيت المال، أو من الغنيمة، أو من مال له فيه شركة.
وتقطع يمين السارق من الزند وتحسم، فإن عاد قطعت رجله اليسرى، فإن عاد لم يقطع ويحبس حتى يتوب. فإن كان أقطع اليد اليسرى أو أشلها أو إبهامها أو أصبعين سواها، وفي رواية ثلاث أصابع أو أقطع الرجل اليمنى أو أشلها أو بها عرج يمنع المشي عليها لم تقطع يده اليمنى ولا رجله اليسرى.
وإن اشترى السارق المسروق أو وهب له أو ادعاه لم يقطع، وإذا قطع والعين قائمة في يده ردها، وإن كانت هالكةً لم يضمنها؛ ومن قطع في سرقة ثم سرقها وهي بحالها لم يقطع، وإن تغير حالها كما إذا غزلاً فنسج قطع.
فصل
إذا خرج جماعة لقطع الطريق أو واحد فأخذوا قبل ذلك حبسهم الإمام حتى يتوبوا؛ وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي وأصاب كل واحد منهم نصاب السرقة قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ وإن قتلوا ولم يأخذوا مالاً قتلهم ولا يلتفت إلى عفو الأولياء؛ وإن قتلوا وأخذوا المال قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم، أو قتلهم، أو صلبهم.
ويطعن تحت ثندوته اليسرى حتى يموت، ولا يطلب أكثر من ثلاثة أيام؛ وإن باشر القتل واحد منهم أجري الحد على الكل، وإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليهم صار القتل للأولياء.
كتاب السير
الجهاد فرض عين عند النفير العام وكفاية عند عدمه، وقتال الكفار واجب على كل رجل عاقل صحيح حر قادر، وإذا هجم العدو وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة والعبد بغير إذن الزوج والسيد، ولا بأس بالجعل إذا كان بالمسلمين حاجة؛ وإذا حاصر المسلمون أهل الحرب في مدينة أو حصن دعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا كفوا عن قتالهم، وإن لم يسلموا دعاهم إلى أداء الجزية إن كانوا من أهلها وبينوا لهم كميتها ومتى تجب، فإن قبلوها فلهم مالنا وعليهم ما علينا، ويجب أن يدعو من لم تبلغه الدعوة، ويستحب ذلك لمن بلغته، فإن أبوا استعانوا بالله تعالى عليهم وحاربوهم، ونصبوا عليهم المجانيق، وأفسدوا زروعهم وأشجارهم وحرقوهم ورموهم، وإن تترسوا بالمسلمين، ويقصدون به الكفار؛ وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا، ولا يغلوا، ولا يمثلوا، ولا يقتلو مجنوناً، ولا امرأةً، ولا صبياً، ولا أعمى، ولا مقعداً، ولا مقطوع اليمين، ولا شيخاً فانياً، إلا أن يكون أحد هؤلاء ملكاً، أو ممن يقدر على القتال أو يحرض عليه، أو له رأي في الحرب، أو مال يحث به أو يكون الشيخ ممن يحتال.
وإذا كان للمسلمين قوة لا ينبغي لهم موادعة أهل الحرب، وإن لم يكن لهم قوة فلا بأس به، فإن وادعهم ثم رأى القتال أصلح نبذ إلى ملكهم، وإن بدءوا بخيانة وعلم ملكهم بها قاتلهم من غير نبذ. ويجوز أن يوادعهم بمال وبغيره، وما أخذوه قبل محاصرتهم فهو كالجزية وبعدها كالغنيمة، وإن دفع إليهم مالاً ليوادعوه جاز عند الضرورة، والمرتدون إذا غلبوا على مدينة، وأهل الذمة إذا نقضوا العهد كالمشركين في الموادعة، ويكره بيع السلاح والكراع من أهل الحرب وتجهيزه إليهم قبل الموادعة وبعدها.
وإذا أمن رجل أو امرأة كافراً أو جماعةً أو أهل مدينة صح، فإن كان فيه مفسدة أدبه الإمام ونبذ إليهم، ولا يصح أمان ذمي، ولا أسير، ولا تاجر فيهم، ولا من أسلم عندهم وهو فيهم، ولا أمان عبد محجور عن القتال، ولا أمان للمراهق.
وإذا فتح الإمام بلدةً عنوةً إن شاء قسمها بين الغانمين، وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، وإن شاء قتل الأسرى، أو استرقهم، أو تركهم ذمةً للمسلمين، ولا يفادون بأسرى المسلمين ولا بالمال إلا عند الحاجة إليه؛ وإذا أراد الإمام العود ومعه مواش يعجز عن نقلها ذبحها وحرقها، ويحرق الأسلحة.
ولا تقسم غنيمة في دار الحرب، ولا يجوز بيعها قبل القسمة. ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا سهم له، وإن مات بعد إحرازها بدارنا فنصيبه لورثته.
والردء والمقاتل في الغنيمة سواء وإذا لحقهم مدد في دار الحرب شاركوهم فيها، وليس للسوقة سهم إلا أن يقاتلوا، فإذا لم يكن للإمام ما يحمل عليه الغنائم أودعها الغانمين ليخرجوها إلى دار الإسلام، ثم يقسمها، ويجوز للعسكر أن يعلفوا في دار الحرب، ويأكلوا الطعام، ويدهنوا بالدهن، ويقاتلوا بالسلاح، ويركبوا الدواب، ويلبسوا الثياب إذا احتاجوا إلى ذلك، فإذا خرجوا إلى دار الإسلام لم يجز لهم شيء ومن ذلك، ويردون ما فضل معهم قبل القسمة، ويتصدقون به بعدها.
فصل
ينبغي للإمام أو نائبه أن يعرض الجيش عند دخوله دار الحرب ليعلم الفارس من الراجل، فمن مات فرسه بعد ذلك فله سهم فارس، وإن باعه أو وهبه أو رهنه أو كان مهراً أو كبيراً أو مريضاً لا يستطيع القتال عليه فله سهم راجل، ومن جاوز راجلاً ثم اشترى فرساً فله سهم راجل، وتقسم الغنيمة أخماساً: أربعة منها للغانمين، للفارس سهمان، وللراجل سهم، ولا يسهم لبغل ولا راحلة، ولا يسهم إلا لفرس واحد، والمملوك والصبي والمكاتب يرضخ لهم دون سهم إذا قاتلوا، وللمرأة إن داوت الجرحى، وللذمي إن أعان المسلمين أو دلهم على عورات الكفار والطريق؛ والخمس الآخر يقسم ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأباء السبيل، ومن كان من أهل القربى بصفتهم يقدم عليهم.
وإذا دخل جماعة لهم منعة دار الحرب فأخذوا شيئاً خمس وإلا فلا، ويجوز التنفيل قبل إحراز الغنيمة، وقبل أن تضع الحرب أوزارها، فيقول الإمام: من قتل قتيلاً فله سلبه، أو من أصاب شيئاً فله ربعه وبعد الإحراز ينفل من الخمس، وسلب المقتول: سلاحه وثيابه وفرسه وآلته وما عليه ومعه من قماش ومال، وإذا لم ينفل بالسلب فهو من جملة الغنيمة.
وإذا استولى الكفار على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها، فإن ظهرنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه بغير شيء، وبعدها بالقيمة إن شاء، وإن دخل تاجر واشتراه فمالكه إن شاء آخذه بثمنه، وإن شاء ترك، وإن وهب له أخذه بالقيمة.
وإن غلب بعض أهل الحرب بعضاً وأخذوا أموالهم ملكوها، ولا يملكون علينا مكاتبينا ومدبرينا وأمهات أولادنا وأحرارنا، وإن أبق إليهم عبد لم يملكوه، وإذا خرج عبيدهم إلينا مسلمين فهم أحرار، وكذلك إن ظهرنا عليهم وقد أسلموا. وإذا اشترى المستأمن عبداً مسلماً وأدخله دار الحرب عتق عليه؛ وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم، فإن أخذ شيئاً وأخرجه تصدق به.
فصل
وإذا دخل الحربي دارنا بأمان يقول له الإمام: إن أقمت سنةً وضعت عليك الجزية، فإن أقام صار ذمياً،، ولا يمكن من العود إلى دار الحرب، وكذلك إن وقت الإمام دون السنة فأقام، وكذلك إذا اشترى أرض خراج فأدى خراجها؛ وإذا تزوجت الحربية بذمي صارت ذميةً؛ ولو تزوج حربي بذمية لا يصير ذمياً.
والجزية ضربان: ما يوضع بالتراضي فلا يتعدى عنها، وجزية يضعها الإمام إذا غلب الكفار وأقرهم على ملكهم، فيضع على الظاهر الغنى في كل سنة ثمانيةً وأربعين درهماً، وعلى المتوسط أربعةً وعشرين درهماً، وعلى الفقير اثنى عشر درهماً، وتجب في أول الحول وتؤخذ في كل شهر بقسطه، وتوضع على أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من العجم، ولا يجوز من العرب والمرتدين، ولا جزية على صبي، ولا امرأة، ولا مجنون، ولا عبد، ولا مكاتب، ولا زمن، ولا أعمى، ولا مقعد، ولا شيخ كبير، ولا الرهابين المنعزلين، ولا فقير غير معتمل، وتسقط بالموت والإسلام، وإذا اجتمعت حولان تداخلت. وينبغي أن تؤخذ الجزية على وصف الذل والصغار، ويقول له: أعط الجزية يا عدو الله، ولا ينتقض عهدهم إلا باللحاق بدر الحرب، أو إن تغلبوا على موضع فيحاربوننا فتصير أحكامهم كالمرتدين، إلا أنه إذا ظفرنا بهم نسترقهم ولا نجبرهم على الإسلام؛ ويؤخذ أهل الجزية بما يتميزون به عن المسلمين في ملابسهم ومراكبهم.
ولا يركبون الخيل إلا لضرورة ولا يحملون السلاح، ولا تحدث كنيسة ولا صومعة ولا بيعة في دار الإسلام، وإذا انهدمت القديمة أعادوها، ويؤخذ من نصارى بني تغلب ضعف زكاة المسلمين، ويؤخذ من نسائهم ويضعف عليهم العشر، ومولاهم في الجزية والخراج كمولى القرشي، وتصرف الجزية والخراج وما يؤخذ من بني تغلب ومن الأراضي التي أجلي أهلها عنها، وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام في مصالح المسلمين، مثل أرزاق المقاتلة وذراريهم، وسد الثغور، وبناء القناطر والجسور، وإعطاء القضاة والمدرسين والعلماء والمفتين والعمال قدر كفايتهم.
فصل
أرض العرب أرض عشر، وهي ما بين العذيب إلى أقصى حجر باليمن بمهرة إلى حد الشام.
والسواد أرض خراج، وهي ما بين العذيب إلى عقبة حلوان، ومن العلث أو الثعلبية إلى عبادان. وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز تصرفهم فيها: وكل أرض أسلم أهلها عليها أو فتحت عنوةً وقسمت بين الغانمين فهي عشرية وما فتح عنوةً وأقر أهلها عليها أو صالحهم فهي خراجية سوى مكة شرفها الله تعالى.
ومن أحيا مواتاً يعتبر بحيزها، ولا يجتمع عشر وخراج في أرض واحدة، ولا يتكرر الخراج بتكرر الخارج، والعشر يتكرر؛ وإذا غلب الماء على أرض الخراج أو انقطع عنها أو أصاب الزرع آفة فلا خراج، وإن عطلها مالكها فعليه خراجها.
والخراج: مقاسمة فيتعلق بالخارج كالعشر. ووظيفة ولا يزاد على ما وظفه عمر رضي الله عنه، وهو على كل جريب يبلغه الماء صاع ودرهم، وجريب الرطبة خمسة دراهم، والكرم والنخل المتصل عشرة دراهم، وما لم يوظفه عمر رضي الله عنه يوضع عليه بحسب الطاقة، ونهاية الطاقة نصف الخارج فلا يزاد عليه، وينقص منه عند العجز، وإذا اشترى المسلم أرض خراج أو أسلم الذمي أخذ منه الخراج.
فصل
وإذا ارتد المسلم، والعياذ بالله، يحبس ويعرض عليه الإسلام وتكشف شبهته، فإن أسلم وإلا قتل، فإن قتله قاتل قبل العرض لا شيء عليه. وإسلامه أن يأتي بالشهادتين ويتبرأ عن جميع الأديان سوى دين الإسلام أو عما انتقل إليه، ويزول ملكه عن أمواله زوالاً مراعىً، فإن أسلم عادت إلى حالها، وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت الديون التي عليه ونقلت أكسابه في الإسلام إلى ورثته المسلمين، وأكساب الردة فىء، وتقضى ديون الإسلام من كسب الإسلام، وديون الردة من كسبها، فإن عاد مسلماً فما وجده في يد وارثه من ماله أخذه.
وإسلام الصبي العاقل وارتداده صحيح، ويجبر على الإسلام ولا يقتل، والمرتدة لا تقتل، وتحبس وتضرب في كل الأيام حتى تسلم، ولو قتلها إنسان لا شيء عليه ويعزر، وتصرفها في مالها جائز، فإن لحقت أو ماتت فكسبها لورثتها.
فصل
الكافر إذا صلى بجماعة أو أذن في مسجد أو قال: أنا معتقد حقيقة الصلاة في جماعة يكون مسلماً.
وإذا خرج قوم من المسلمين عن طاعة الإمام وتغلبوا على بلد دعاهم إلى الجماعة وكشف شبهتهم، ولا يبدؤهم بقتال، فإن بدءوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم، فإن اجتمعوا وتعسكروا بدأهم؛ فإذا قاتلهم فإن كان لهم فئة أجهز على جريحهم واتبع موليهم، ولا تسبى لهم ذرية، ولا يغنم لهم مال، ويحبسها حتى يتوبوا فيردها عليهم، ولا بأس بالقتال بسلاحهم وكراهم عند الحاجة إليه؛ وإذا قتل العادل الباغي ورثه، وكذلك إن قتله الباغي وقال: أنا على حق، وإن قال: أنا على الباطل لم يرثه.
كتاب الكراهية
المكروه عند محمد حرام، وعندهما هو إلى الحرام أقرب، والنظر إلى العورة حرام إلا عند الضرورة كالطبيب والخاتن والخافضة والقابلة، وقد بينا العورة في الصلاة. وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا العورة، وتنظر المرأة من المرأة والرجل إلى ما ينظر الرجل من الرجل، وينظر من زوجته وأمته التي تحل له إلى جميع بدنها، وينظر من ذوات محارمه وأمة الغير إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين والشعر، ولا بأس بأن يمس ما يجوز إليه إذا أمن الشهوة، ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة، فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد، ولا يجوز أن يمس ذلك وإن أمن الشهوة؛ والعبد مع سيدته كالأجنبي، والفحل والخصي والمجبوب سواء، ويكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو شيئاً منه أو يعانقه ولا بأس بالمصافحة، ولا بأس بتقبيل يد العالم والسلطان العادل.
ويحل للنساء لبس الحرير ولا يحل للرجال إلا مقدار أربع أصابع كالعلم ولا بأس بتوسده وافتراشه، ولا بأس بلبس ما سداه إبريسم ولحمته قطن أو خز؛ ويجوز للنساء التحلي بالذهب والفضة، ولا يجوز للرجال إلا الخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة وكتابة الثوب من ذهب أو فضة وشد الأسنان بالفضة، ويكره أن يلبس الصبي الذهب والحرير، ولا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة، ويستوي فيه الرجال والنساء، ولا بأس بآنية العقيق والبلور والزجاج والرصاص، ويجوز الشرب في الإناء المفضض والجلوس على السرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة.
فصل في الاحتكار
ويكره في أقوات الآدميين والبهائم في موضع يضر بأهله، ولا احتكار في غلة ضيعته وما جلبه؛ وإذا رفع إلى القاضي حال المحتكر يأمره ببيع ما يفضل عن قوته وعياله، فإن امتنع باع عليه. ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس إلا أن يتعدى أرباب الطعام تعدياً فاحشاً في القيمة فلا بأس بذلك بمشورة أهل الخبرة به؛ ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمراً؛ ومن حمل خمراً لذمي طاب له الأجر، ولا بأس ببيع السرقين، ولا باس ببيع بناء بيوت مكة، ويكره بيع أرضها؛ ويقبل في المعاملات قول الفاسق، ولا يقبل في الديانات إلا قول العدل حراً كان أو عبداً، ذكراً أو أنثى. ويقبل في الهدية والإذن قول الصبي والعبد والأمة.
ويعزل عن أمته بغير إذنها، وعن زوجته بإذنها، ويكره استخدام الخصيان؛ ويكره اللعب بالنرد والشطرنج وكل لهو، ووصل الشعر بشعر الآدمي حرام؛ ويكره أن يدعو الله إلا به، أو يقول في دعائه: أسألك بمقعد العز من عرشك، ورد السلام فريضة على كل من سمع السلام إذا قام به بعض القوم سقط عن الباقين. والتسليم سنة ونواب المسلم أكثر؛ ويكره السلام على أهل الذمة، ولا باس برد السلام على أهل الذمة ومن دعاه السلطان أو الأمير ليسأله عن أشياء لا ينبغي أن يتكلم بغير الحق؛ واستماع الملاهي حرام؛ ويكره تعشير المصحف ونقطه، ولا بأس بتحليته، ولا بأس بنقش المسجد، ولا بأس بدخول الذمي المسجد الحرام أو غيره من المساجد.
والسنة: تقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة والشارب، وقصه أحسن ولا بأس بدخول الحمام للرجال والنساء إذا اتزر وغض بصره.
فصل
تجوز المسابقة على الأقدام والخيل والبغال والحمير والإبل وبالرمي، فإن شرط فيه جعل من أحج الجانبين أو من ثالث لأسبقهما فهو جائز، وإن شرط من الجانبين فهو قمار إلا أن يكون بينهما محلل بفرس كفء لفرسيهما يتوهم سبقه لهما إن سبقهما أخذ منهما، وإن سبقاه لم يعطهما، وفيما بينهما أيهما سبق أخذ من صاحبه، وعلى هذا التفصيل إذا اختلف فقيهان في مسألة وأرادا الرجوع إلى شيخ وجعلا على ذلك جعلاً.
فصل في الكسب
وأفضل أسباب الكسب: الجهاد ثم التجارة ثم الزراعة ثم الصناعة.
ثم هو فرض، وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه وعياله وقضاء ديونه، ومستحب، والزيادة على ذلك ليواسي به فقيراً، أو يجازي به قريباً. ومباح، وهو الزيادة للتجمل والتنعم. ومكروه، وهو الجمع للتفاخر والتكاثر والبطر والأشر وإن كان من حل.
أما الأكل فعلى مراتب: فرض، وهو ما يندفع به الهلاك. ومأجور عليه، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائماً ويسهل عليه الصوم. ومباح، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن. وحرام، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد التقوى على صوم الغد أو لئلا يستحي الضيف؛ ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء الفرائض، ومن امتنع من أكل الميتة حالة المخمصة، أو صام لم يأكل حتى مات أثم؛ ومن امتنع من التداوي حتى مات لم يأثم ولا بأس بالتفكه بأنواع الفواكه، وتركه أفضل، واتخاذ ألوان الأطعمة والباجات ووضع الخبز على المائدة أكثر من الحاجة سرف، ووضع المملحة على الخبز، ومسح الأصابع والسكين به مكروه، ولكن يترك الملح على الخبز. وسنن الطعام البسملة في أوله، والحمدلة في آخره وغسل اليدين قبله وبعده. ويستحب اتخاذ الأوعية لنقل الماء إلى البيوت، واتخاذها من الخزف أفضل، وينفق على نفسه وعياله بلا سرف ولا تقتير، ومن اشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت ففرض على كل من علم به أن يطعمه أو يدل عليه من يطعمه فإن قدر على الكسب يلزمه أن يكتسب، وإن عجز عنه لزمه السؤال، فإن ترك السؤال حتى مات أثم، ومن كان له قوت يومه لا يحل له السؤال، ويكره إعطاء سؤال المساجد وإن كان لا يتخطى الناس ولا يمشي بين يدي المصلين لا يكره؛ ولا يجوز قبول هدية أمراء الجور، إلا إذا علم أن أكثر ماله حلال، ووليمة العرس سنة، وينبغي لمن دعي أن يجيب، فإن لم يفعل أثم، ولا يرفع منها شيئاً، ولا يعطى سائلاً إلا بإذن صاحبها؛ ومن دعي إلى وليمة عليها لهو إن علم به لا يجيب، وإن لم يعلم حتى حضر إن كان يقدر على منعهم فعل، وإن لم يقدر فإن كان اللهو على المائدة لا يقعد؛ وإن لم يكن على المائدة، فإن كان مقتدىً به لا يقعد، وإن لم يكن مقتدىً به فلا بأس بالقعود.
فصل
الكسوة: منها فرض، وهو ما يستر العورة ويدفع الحر والبرد، وينبغي أن يكون من القطن أو الكتان بين النفيس والدنىء. ومستحب، وهو ستر العورة، وأخذ الزينة.
ومباح، وهو الثوب الجميل للتزين به في الجمع والأعياد ومجامع الناس. ومكروه، وهو اللبس للتكبر والخيلاء. ويستحب الأبيض من الثياب، ويكره الأحمر والمعصفر. والسنة: إرخاء طرف العمامة بين كتفيه، وإذا أراد أن يجدد لفها نقضها كما لفها.
فصل
الكلام منه ما يوجب أجراً كالتسبيح والتحميد، وقراءة القرآن، والأحاديث النبوية وعلم الفقه، وقد يأثم به إذا فعله في مجلس الفسق وهو يعمله، وإن سبح فيه للاعتبار والإنكار، وليشتغلوا عما هم فيه من الفسق فحسن. ويكره فعله التاجر عند فتح متاعه، ويكره الترجيع بقراءة القرآن والاستماع إليه.
ومنه ما لا أجر فيه ولا وزر كقولك: قم واقعد، وأكلت وشربت ونحوه. ومنه ما يوجب الإثم كالكذب والنميمة والغيبة والشتيمة، ثم الكذب محظور إلا في القتال للخدعة، وفي الصلح بين اثنين، وفي إرضاء الرجل الأهل، وفي دفع الظالم عن الظلم. ويكره التعريض بالكذب إلا لحاجة.
ولا غيبة لظالم يؤذي الناس بقوله وفعله، ولا إثم في السعي به إلى السلطان ليزجره. ولا غيبة إلا لمعلومين، فلو اغتاب أهل قرية فليس بغيبة؛ وإذا أدى الفرائض وأحب أن يتنعم بمنظر حسن وجوار جميلة فلا بأس به، ومن قنع بأدنى الكفاية، وصرف الباقي إلى ما ينفعه في الآخرة فهو أولى.
كتاب الصيد
وهو جائز بالجوارح المعلمة والسهام المحددة لما يحل أكله لأكله وما لا يحل أكله لجلده وشعره، والجوارح ذو ناب من السباع وذو مخلب من الطير، ولا بد فيه من الجرح، وكون المرسل أو الرامي مسلماً أو كتابياً، وذكر اسم الله تعالى عند الإرسال والرمي، وأن يكون الصيد ممتنعاً، ولا يتوارى عن بصره، ولا يقعد عن طلبه، وتعليم ذي الناب كالكلب ونحوه ترك الأكل؛ وذي المخلب كالبازي والصقر ونحوهما الاتباع إذا أرسل، والإجابة إذا دعي.
ويرجع في معرفة التعليم إلى أهل الخبرة بذلك، ولا تأقبت فيه، فإن أكل أو ترك لإجابة بعد الحكم بتعليمه حكم بجهله وحرم ما بقي من صيده قبل ذلك، وإن ترك التسمية ناسياً حل، ولو رمى بسهم واحد صيوداً، أو أرسل كلبه على صيود فأخذها أو أحدها، أو أرسله إلى صيد فأخذ غيره حل ما دام في جهة إرساله، ولو أرسله ولم يسم ثم زجره وسمى، أو أرسله مسلم فزجره مجوسي أو بالعكس، فالمعتبر حالة الإرسال، فإن أكل منه الكلب لم يؤكل، ولو شرب دمه أكل، ولو أخذ منه قطعةً فرماها ثم أخذ الصيد وقتله ثم أكل ما ألقاه أكل، وإن أكل منه البازي يؤكل، وإن أدركه حياً لا يحل إلا بالتذكية وكذلك في الرمي، وإن شارك كلبه كلب لم يذكر عليه اسم الله، أو كلب مجوسي، أو غير معلم لم يؤكل؛ ولو سمع حساً فظنه آدمياً فرماه، أو أرسل عليه كلبه فإذا هو صيد أكل؛ وإذا وقع الصيد في الماء أو على سطح أو جبل أو سنان رمح، ثم تردى إلى الأرض لم يؤكل؛ ولو وقع ابتداءً على الأرض أكل؛ وفي طير الماء إن أصاب الماء الجرح لم يؤكل وإلا أكل، ولا يؤكل ما قتلته البندقة والحجر والعصا والمعراض بعرضه. فإن خزق المعراض الجلد بحده أكل، وإن رماه بسيف أو سكين فأبان عضواً منه أكل الصيد، ولا يؤكل العضو، وإن قطعه نصفين أكل، وإن قطعه أثلاثاً أكل الكل إن كان الأقل من جهة الرأس؛ ومن رمى صيداً فأثخنه ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل، ويضمن الثاني للأول قيمته غير نقصان جراحته، وإن لم يثخنه الأول أكل وهو للثاني.
كتاب الذبائح
والذكاة اختيارية، وهي الذبح في الحلق واللبة. واضطرارية، وهي الجرح في أي موضع اتفق؛ وشرطهما التسمية، وكون الذابح مسلماً أو كتابياً، فإن ترك التسمية ناسياً حل؛ وإن أضجع شاةً وسمى فذبح غيرها بتلك التسمية لم تؤكل، وإن ذبح بشفرة أخرى أكل؛ ويكره أن يذكر مع اسم الله تعالى اسم غيره، وأن يقول: اللهم تقبل من فلان.
والسنة نحر الإبل وذبح البقر والغنم، فإن عكس فذبح الإبل ونحر البقر والغنم كره ويؤكل.
والعروق التي تقطع في الذكاة: الحلقوم والمرىء والودجان، فإن قطعها حل الأكل، وكذلك إذا قطع ثلاثةً منها؛ ويجوز الذبح بكل ما أفرى الأوداج وأنهر الدم، إلا السن القائمة والظفر القائم.
ويستحب أن يحد شفرته، ويكره أن يبلغ بالسكين النخاع، أو يقطع الرأس وتؤكل؛ ويكره سلخها قبل أن تبرد، وما استأنس من الصيد فذكاته اختيارية، وما توحش من النعم فاضطرارية؛ وإذا كان في بطن المذبوح جنين ميت لم يؤكل، وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه طهر جلده ولحمه إلا الخنزير والآدمي.
فصل
ولا يحل أكل كل ذي ناب من السباع ولا ذي مخلب من الطير، ولا تحل الحمر الأهلية ولا البغال ولا الخيل، ويكره الرخم والبغاث والغراب والضب والسلحفاة والحشرات، ويجوز غراب الزرع والعقعق والأرنب والجراد، ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، ولا يؤكل الطافي من السمك.
كتاب الأضحية
وهي واجبة على كل مسلم حر مقيم موسر، ويجب على كل واحد شاة. وإن اشترك سبعة في بقرة أو بدنة جاز إن كانوا من أهل القربة ويريدونها.
ولو اشترى بقرةً للأضحية ثم أشرك فيها ستة أجزأه، ويقتسمون لحمها بالوزن، وتختص بالإبل والبقر والغنم، ويجزىء فيها ما يجزىء في الهدى، وتختص بأيام النحر، وهي ثلاثة: عاشر ذي الحجة وحادي عشره وثاني عشره أفضلها أولها، فإن مضت ولم يذبح، فإن كان فقيراً وقد اشتراها تصدق بها حيةً، وإن كان غنياً تصدق بثمنها اشتراها أو لا، ويدخل وقتها بطلوع الفجر أول أيام النحر، إلا أن أهل المصر لا يضحون قبل صلاة العيد، ويأكل من لحمها، ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر. ويكره أن يذبحها الكتابي؛ ولو ذبح أضحية غيره بغير أمره جاز، ولو غلطا فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر جاز، ويأخذ كل واحد منهما أضحيته من صاحبه مذبوحةً ومسلوخةً ولا يضمنه، فإن أكلاها ثم علما فليتحللا ويجزيهما وإن تشاجرا ضمن كل لصاحبه قيمة لحمه.
كتاب الجنايات
القتل المتعلق بالأحكام خمسة: عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطإ، والقتل بسبب.
فالعمد: أن يتعمد الضرب بما يفرق الأجزاء: كالسيف والليطة والمروة والنار؛ وحكمه المأثم والقود، إلا أن يعفو الأولياء، أو وجوب المال عند المصالحة برضى القاتل في ماله، أو صلح بعضهم أو عفوه، فتجب بقية الدية على العاقلة، أو عند تعذر استيفائه لشبهة كقتل الأب ابنه فتجب الدية في ماله في ثلاث سنين؛ ولا كفارة في العمد. وشبه العمد: أن يتعمد الضرب بما لا يفرق الأجزاء: كالحجر والعصار واليد، وموجبه الإثم والكفارة والدية مغلظةً على العاقلة، وهو عمد فيما دون النفس. والخطأ أن يرمي شخصاً يظنه صيداً، أو حربياً فإذا هو مسلم، أو يرمي غرضاً فيصيب آدمياً، وموجبه الكفارة والدية على العاقلة، ولا إثم عليه.
وما أجري مجرى الخطإ: مثل النائم ينقلب على إنسان فيقتله فهو كالخطإ والقتل بسبب: كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وفنائه فيعطب به إنسان، وموجبه الدية على العاقلة لا غير، وكل ذلك يوجب حرمان الإرث إلا القتل بسبب، ولو مات في البئر غماً أو جوعاً فهو هدر، والكفارة عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. ويقتل الحر بالحر وبالعبد.
والرجل بالمرأة، والصغير بالكبير، والمسلم بالذمي. ولا يقتلان بالمستأمن، ويقتل المستأمن بالمستأمن، ويقتل الصحيح بالزمن والأعمى وبالمجنون وبناقص الأطراف؛ ولا يقتل الرجل بولده، ولا بعبده، ولا بعبد ولده، ولا بمكاتبه؛ ومن ورث قصاصاً على أبيه سقط، والأم والأجداد والجدات من أي جهة كانوا كالأب، ومن جرح رجلاً عمداً فمات فعليه القصاص، ولا يستوفى القصاص إلا بالسيف، ولا قصاص على شريك الأب والمولى والخاطىء والصبي والمجنون وكل من لا يجب القصاص بقتله، وإذا قتل عبد الرهن فلا قصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن، وإذا قتل المكاتب عن وفاء وله ورثة غير المولى فلا قصاص أصلاً، وإن لم يترك وفاء فالقصاص للمولى، وإن قتل عن وفاء ولا وارث له إلا المولى فله القصاص، وإذا كان القصاص بين كبار وصغار فللكبار الاستيفاء وإذا قتل ولي الصبي والمعتوه فللأب أو القاضي أن يقتل أو يصالح، وليس له العفو، والوصي يصالح لا غير، ولا قصاص في التخنيق والتغريق، وتقتل الجماعة بالواحد، ويقتل الواحد بالجماعة اكتفاءً وإن قتله ولي أحدهم سقط حق الباقين، ومن رمى إنساناً عمداً فنفذ منه إلى آخر وماتا فالأول عمد والثاني خطأ.
فصل
ولا يجري القصاص في الأطراف إلا بين مستوى الدية إذا قطعت من المفصل وتماثلت.
ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر إلا أن تقطع الحشفة؛ ولا قصاص في عظم إلا السن، فإن قلع يقلع، وإن كسر يبرد بقدره؛ ولا قصاص في العين إلا أن يذهب ضوؤها وهي قائمة بأن يوضع على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة المحماة حتى يذهب ضوؤها؛ ولا تقطع الأيدي بالي وتجب الدية؛ ومن قطع يميني رجلين قطعا يمينه وأخذا منه دية الأخرى بينهما، فإن قطعها أحدهما مع غيبة الآخر فللآخر دية يده؛ وإذا كان القاطع أشل أو ناقص الأصابع، فالمقطوع إن شاء قطع المعيبة، وإن شاء أخذ دية يده، وكذلك لو كان رأس الشاج أصغر، ولو كان رأس الشاج أكبر فالمشجوج إن شاء أخذ بقدر شجته، وإن شاء أخذ أرشها؛ ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمداً قبل البرء أو خطأً بعده، أو قطع يده عمداً ثم قتله خطأً أو عمداً بعد البرء أخذ بالأمرين، ومن قطع يد غيره فعفا عن القطع ثم مات فعلى القاطع الدية في ماله، ولو عفا عن القطع وما يحدث منه فهو عفو عن النفس، والشجة كالقطع. وإذا حضر أحد الوليين وأقام البينة على القتل ثم حضر الآخر فإنه يعيد البينة. رجلان أقر كل واحد منهما بالقتل فقال الولي: قتلتماه فله قتلهما، ولو كان مكان الإقرار شهادة فهو باطل؛ ولو رمى مسلماً فارتد والعياذ بالله، ثم وقع السهم به ففيه الدية، ولو كان مرتداً فأسلم لا شيء فيه؛ ولو رمى عبداً فأعتقه مولاه ففيه القيمة.
كتاب الديات
الدية المغلظة خمس وعشرون بنت مخاض ومثلها بنت لبون وحقاق وجذاع.
وغير المغلظة عشرون ابن مخاض ومثلها بنات مخاض وبنات لبون وحقاق وجذاع، أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم، ولا تجب الدية من شيء آخر؛ ودية المرأة نصف ذلك، ولا تغليظ إلا في الإبل؛ ودية المسلم والذمي سواء.
وفي النفس الدية، وكذلك في الأنف والذكر والحشفة والعقل والشم والذوق والسمع والبصر واللسان، وبعضه إذا منع الكلام، والصلب إذا منع الجماع، أو انقطع ماؤه أو احدودب، وكذا إذا أفضاها فلم تستمسك البول؛ ومن قطع يد رجل خطأً ثم قتله قبل البرء خطأً ففيه دية واحدة، وما في البدن اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية، وما فيه أربعة ففي أحدها ربع الدية، وفي كل أصبع عشر الدية.
وتقسم على مفاصلها، والكف تبع للأصابع، وفي كل سن نصف عشر الدية، فإن قلعها فنبتت أخرى مكانها سقط الأرش، وفي شعر الرأس إذا حلق فلم ينبت الدية، وكذلك اللحية والحاجبان والأهداب، وفي اليد إذا شلت، والعين إذا ذهب ضوؤها الدية؛ وفي الشارب، ولحية الكوسج، وثدي الرجل، وذكر الخصي والعنين، ولسان الأخرس، واليد الشلاء، والعين العوراء، والرجل العرجاء، والسن السوداء، والأصبع الزائدة، وعين الصبي ولسانه وذكره إذا لم تعلم صحته حكومة عدل، وإذا قطع اليد من نصف الساعد ففي الكف نصف الدية، وفي الزائد حكومة عدل، ومن قطع أصبعاً فشلت أخرى، أو قطع يده اليمنى فشلت اليسرى فلا قصاص، وعمد الصبي والمجنون خطأ.
فصل
الشجاج عشرة: الخارصة، وهي التي تخرص الجلد. ثم الدامعة التي تخرج ما يشبه الدمع. ثم الدامية التي تخرج الدم. ثم الباضعة التي تبضع اللحم. ثم المتلاحمة التي تأخذ في اللحم. ثم السمحاق، وهو جلدة فوق العظم تصل إليها الشجة. ثم الموضحة التي توضح العظم ثم الهاشمة التي تهشم العظم. ثم المنقلة التي تنقل العظم بعد الكسر ثم الآمة التي تصل إلى أم الدماغ.
ففي الموضة القصاص إن كانت عمداً، وفي التي قبلها حكومة عدل، وفي الموضحة الخطا
نصف عشر الدية؛ وفي الهاشمة العشر؛ وفي المنقلة عشر ونصف؛ وفي الآمة الثلث، وكذا الجائفة، فإذا نفذت فثلثان، والشجاج يختص بالوجه والرأس والجائفة بالجوف والجنب والظهر، وما سوى ذلك جراحات فيها حكومة عدل؛ وحكومة العدل أن يقوم المجروح عبداً سالماً وسليماً فما نقصت الجراحة من القيمة يعتبر من الدية، ومن شج رجلاً فذهب عقله أو شعر رأسه دخل فيه أرش الموضحة؛ وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه لم تدخل، ويجب أرش الموضحة مع ذلك ولا يقتص من الموضحة والطرف حتى تبرأ، ولو شجه فالتحمت ونبت الشعر سقط الأرش.
ومن ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً ففيه غرة خمسون ديناراً على العاقلة ذكراً كان أو أنثى، وإن ألقته حياً ثم مات ففيه الدية على العاقلة وعليه الكفارة؛ وإن ألقته ميتاً ثم ماتت ففيه ديتها والغرة، وإن ماتت ثم ألقته ميتاً ففيها الدية ولا شيء فيه، وإن ماتت ثم خرج حياً ثم مات فديتان، فإن ألقت جنينين ميتين ففيهما غرتان، فإن ألقت أحدهما ميتاً والآخر حياً ثم مات ففي الميت الغرة وفي الحي دية كاملة، وتجب الغرة في سنة واحدة، وإن استبان بعض خلقه ولم يتم ففيه الغرة ولا كفارة في الجنين، وما يجب فيه موروث عنه، وفي جنين الأمة نصف عشر قيمته لو كان حياً إن كان ذكراً، وعشر قيمته لو كان أنثى.
فصل
ومن أخرج إلى طريق العامة روشنا أو ميزاباً أو كنيفاً أو دكاناً فلرجل من عرض الناس أن ينزعه، فإن سقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته، وإن أصابه طرف الميزاب الذي في الحائط فلا ضمان فيه، وإن أصابه الطرف الخارج ضمن، وإن أصابه الطرفان أو لا يعلم ضمن نصف الدية، ثم إن كان لا يستضر به أحد جاز له الانتفاع به، وإن كان يستضر به أحد يكره، وليس لأحد من أهل الدرب الغير النافذ أن يفعل ذلك إلا بأمرهم، ولو وضع جمراً في الطريق ضمن ما أحرق في ذلك الموضع؛ وإذا مال حائط إنسان إلى طريق العامة فطالبه بنقضه مسلم أو ذمي فلم ينقضه في مدة أمكنه نقضه فيها حتى سقط ضمن ما تلف به.
وإن بناه مائلاً ابتداءً فسقط ضمن من غير طلب، ويضمن الراكب ما وطئت الدابة بيدها أو رجلها، ولا يضمن ما نفحت بذنبها أو رجلها؛ وإن راثت في الطريق وهي تسير أو أوقفها لذلك فلا ضمان فيما تلف به، وإن أوقفها لغيره ضمن، والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها وكذا السائق؛ وإذا وطئت دابة الراكب بيدها أو رجلها يتعلق به حرمان الميراث والوصية وتجب الكفارة؛ ولو ركب دابةً فنخسها آخر فأصابت رجلاً على الفور فالضمان على الناخس؛ وإن اجتمع السائق والقائد أو السائق والراكب فالضمان عليهما؛ وإذا اصطدم فارسان أو ماشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر؛ ولو تجاذبا حبلاً فانقطع وماتا فإن وقعا على ظهريهما فهما هدر، وإن سقطا على وجهيهما فعلى عاقلة كل واحد دية الآخر، وإن اختلفا فدية الواقع على وجهه على عاقلة الواقع على ظهره، وهدر دم الذي وقع على ظهره؛ وإن قطع آخر الحبل فماتا فديتهما على عاقلته.
فصل
إذا جنى العبد خطأً فمولاه إما أن يدفعه إلى ولي الجناية فيملكه أو يفديه بأرشها، وكذلك إن جنى ثانياً وثالثاً، وإن جنى جنايتين فإما أن يدفعه إليهما يقتسمانه بقدر ما لكل واحد منهما من أرش جنايته، أو يفديه بأرشهما، وإن أعتقه المولى قبل العلم بالجناية ضمن الأقل من قيمته ومن الأرش، وبعد العلم يضمن جميع الأرش، وفي المدبر وأم الولد يضمن الأقل من قيمتهما ومن الأرش، وإن عاد فجنى وقد دفع القيمة بقضاء فلا شيء عليه، ويشارك ولي الجناية الثانية الأول فيما أخذ، وإن دفع المولى القيمة بغير قضاء، فإن شاء الثاني شارك الأول، وإن شاء اتبع المولى، ثم يرجع المولى على الأول، ومن قتل عبداً خطأً فعليه قيمته لا يزاد على عشرة آلاف درهم إلا عشرة، وللأمة خمسة آلاف إلا عشرة، وإن كان أقل من ذلك فعليه قيمته، وما هو مقدر من الدية مقدر من قيمة العبد.
باب القسامة
القتيل: كل ميت به أثر، فإذا وجد في محلة لا يعرف قاتله وادعى وليه القتل على أهلها أو على بعضهم عمداً أو خطأً ولا بينة له يختار منهم خمسين رجلاً يحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، ثم يقضى بالدية على أهل المحلة، وكذلك إن وجد بدنه أو أكثره أو نصفه مع الرأس، فإن لم يكن فيهم خمسون كررت الأيمان عليهم لتتم خمسين، ومن أبى منهم حبس حتى يحلف، ولا يقضى بالدية بيمين الولي؛ ولا يدخل في القسامة صبي ولا مجنون ولا عبد ولا امرأة، وإن ادعى الولي القتل على غيرهم سقطت عنهم القسامة، ولا تقبل شهادتهم على المدعى عليه، وإن وجد على دابة يسوقها إنسان فالدية على عاقلة السائق وكذا القائد والراكب، وأن وجد في دار إنسان فالقسامة عليه وعلى عاقلته إن كانوا حضوراً، وإن كانوا غيباً كررت الأيمان عليه والدية على العاقلة؛ وإن وجد بين قريتين فعلى أقربهما إذا كانوا يسمعون الصوت، ولو وجد في السفينة فالقسامة على الملاحين والركاب، وفي مسجد محلة على أهلها، وفي الجامع والشارع الأعظم الدية في بيت المال ولا قسامة، وإن وجد في برية أو في وسط الفرات فهو هدر، وإن كان محتبساً بالشاطىء فعلى أقرب القرى منه إن كانوا يسمعون الصوت.
باب المعاقل
وهي جمع معقلة وهي الدية، والعاقلة الذين يؤدونها، ويجب عليهم كل دية وجبت بنفس القتل، فإن كان القاتل من أهل الديوان فهم عاقلته، وتؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين، وإن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته، ولا يزاد الواحد على أربعة دراهم أو ثلاثة وينقص منها، فإن لم تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل نسباً، وإن كان ممن يتناصرون بالحرف فأهل حرفته، وإن تناصروا بالحلف فأهله، ويؤدى القاتل كأحدهم؛ ولا عقل على الصبيان والنساء، ولا على عبد ومدبر ومكاتب، ولا يعقل كافر عن مسلم ولا بالعكس؛ وإذا كان للذمي عاقلة فالدية عليهم، وإن لم يكن له عاقلة فالدية في ماله في ثلاث سنين؛ وعاقلة المعتق قبيلة مولاه؛ وعاقلة مولى الموالاة مولاه وقبيلته، وولد الملاعنة تعقل عنه عاقلة أمه، فإن ادعاه الأب بعد ذلك رجع عاقلة الأم على عاقلة الأب، وتتحمل العاقلة خمسين ديناراً فصاعداً وما دونها في مال الجاني، ولا تعقل العاقلة ما اعترف به الجاني إلا أن يصدقوه.
وإذا جنى الحر على العبد خطأ فعلى عاقلته.
كتاب الوصايا
وهي مندوبة، وهي مؤخرة عن مئونة الموصى وقضاء ديونه، وهي مقدرة بالثلث تصح للأجنبي مسلماً كان أو كافراً بغير إجازة الورثة، وما زاد على الثلث وللقاتل والوارث تصح بإجازة الورثة، وتعتبر إجازاتهم بعد موته، ولا تصح إلا ممن يصح تبرعه، ويستحب أن ينقص من الثلث، وإن كانت الورثة فقراء لا يستغنون بنصيبهم فتركها أفضل، وتصح للحمل وبه وبأمه دونه، ويعتبر في المال والورثة الموجود عند الموت، وقبول الوصية بعد الموت.
وللموصي أن يرجع عن الوصية بالقول والفعل، وفي الجحود خلاف؛ وإذا قبل الموصى له الوصية ثم ردها في وجه الموصي فهو رد، وإن ردها في غير وجهه فليس برد، فإن كان عاجزاً ضم إليه القاضي آخر، وإن كان عبداً أو كافراً أو فاسقاً استبدل به، وإن أوصى إلى عبده وفي الورثة كبار لم تصح، وإن كانوا صغاراً جازت، وليس لأحد الوصيين أن يتصرف دون صاحبه، ولو مات أحدهما أقام القاضي مكانه آخر، وإذا أوصى الوصي إلى آخر فهو وصي في التركتين. ويجوز للوصي أن يحتال بمال اليتيم إن كان أجود، ويجوز بيعه وشراؤه لنفسه إن كان فيه نفع للصبي، وليس للوصي أن يقترض مال اليتيم، وللأب ذلك، وليس لهما إقراضه، وللقاضي ذلك، والوصي أحق بمال اليتيم من الجد، وشهادة الوصي للميت لا تجوز، وعلى الميت تجوز، وتجوز للورثة إن كانوا كباراً، ولا تجوز إن كانوا صغاراً وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره وبغلتهما أبداً ومدةً معلومةً، فإن خرجا من الثلث استخدم وسكن واستغل، وليس له أن يؤاجرهما، وإن لم يكن له مال غيرهما خدم الورثة يومين والموصى له يوماً، فإن مات الموصى له عاد إلى الورثة، ومن أوصى بثمرة بستانه فله الثمرة الموجودة عند موته، وإن قال: أبداً، فله ثمرته ما عاش؛ ولو أوصى بغلة بستانه فله الحاضرة والمستقبلة وإن أوصى بصوف غنمه أو بأولادها أو بلبنها فله الموجود عند موته، قال أبداً أو لم يقل، والعتق في المرض، والهبة والمحاباة وصية، والمحاباة إن تقدمت على العتق فهي أولى، وإن تأخرت شاركته؛ ومن أوصى بحقوق الله تعالى قدمت الفرائض، وإن تساوت قدم ما قدمه الموصى إن ضاق الثلث عنها، وما ليس بواجب يقدم ما قدمه الموصى.
ومن أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه فالثلث بينهما أثلاثاً؛ ولو أوصى له بثلثه ولآخر بثلثه أو بنصفه أو بجميعه فالثلث بينهما نصفان، ولا يضرب الموصى له بما زاد على الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة، وإن أوصى بسهم من ماله فله السدس، ولو أوصى بجزء أعطاه الوارث ما شاء، ولو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث؛ ومن أوصى بثلث دراهمه أو ثلث غنمه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها وهي تخرج من ثلثه فله جميعه، وكذا المكيل والموزون والثياب من جنس واحد، وإن كانت مختلفةً فله ثلث الباقي، وكذلك العبيد والدور؛ ومن أوصى بثلثه لزيد وعمرو وعمرو ميت فالثلث لزيد، ولو قال بين زيد وعمرو فنصفه لزيد؛ ومن أوصى لرجل بألف من ماله وله مال عين ودين والألف يخرج من ثلث العين دفعت إليه، وإن لم يخرج من العين أخذ ثلث العين وثلث ما يحصل من الدين حتى يستوفيها، ومن أوصى بثلثه لفلان وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين؛ ولو أوصى لرجلين كل واحد منهما بمائة، ثم قال لآخر: أشركتك معهما فله ثلث كل مائة؛ ولو قال لورثته: لفلان على دين فصدقوه يصدق إلى الثلث؛ وإن أوصى لأجنبي ووارث فالنصف للأجنبي وبطل نصف الوارث.
ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون، والأصهار: كل ذي رحم محرم من زوجته، والأختان: زوج كل ذات رحم محرم منه، والأهل: الزوجة والآل: أهل بيته، وأهل نسبه: من ينتسب إليه من جهة الأب، وجنسه: أهل بيت أبيه، وإن أوصى لأقربائه، أو لذوي قرابته، أو لأرحامه، أو لذوي أرحامه، أو لأنسابه فهم اثنان فصاعداً من كل ذي رحم محرم منه غير الوالدين والمولودين؛ وفي الجد روايتان، ويعتبر الأقرب فالأقرب، فإن كان له عم وخالان فللعم النصف وللخالين النصف، وفي عمين وخالين الكل للعمين، ولو كان له عم واحد فله نصف الثلث وإن كان له عم وعمة وخال فالوصية للعم والعمة سواء، وإن قال لذي قرابته أو ذي نسبه فكذلك، إلا أن الواحد يستحق الكل، فإن لم يكن له ذو رحم محرم بطلت الوصية أوصى لبني فلان وهو أبو قبيلة كبني تميم فهي للذكر والأنثى والفقير والغني، وإن كانوا لا يحصون فهي باطلة.
وإن كان أبا صلب فالوصية للذكور خاصةً؛ ولو أوصى لأيتام بني فلان أو عميانهم أو زمناهم أو أراملهم وهم يحصون فهي للفقراء والأغنياء، وإن كانوا لا يحصون فللفقراء خاصةً.
ومن أوصى لورثة فلان فللذكر مثل حظ الأنثيين؛ وإن قال لولد فلان الذكر والأنثى فيه سواء، ولا يدخل أولاد الابن مع أولاد الصلب، ويدخل أولاد الابن في الوصية عند عدم ولد الصلب، ولا يدخل أولاد البنات، أوصى لمواليه فهي لمن أعتقه في الصحة والمرض ولأولادهم؛ ولا يدخل موالي الموالي إلا عند عدمهم، فإن كان له مولى واحد ومولى موالاة فالنصف لمولاه والباقي لورثته؛ وإن كان له موال أعتقوه وموال أعتقهم فهي باطلة.
كتاب الفرائض
يبدأ من تركة الميت بتجهيزه ودفنه على قدرها ثم تقضى ديونه، ثم تنفذ وصاياه من ثلث ماله، ثم يقسم الباقي بين ورثته، ويستحق الإرث برحم ونكاح وولاء، والمستحقون للتركة عشرة أصناف مرتبة: ذوو السهام ثم العصبات النسبية ثم السببية وهو المعتق، ثم عصبته، ثم الرد، ثم ذوو الأرحام، ثم مولى الموالاة، ثم المقر له بنسب لم يثبت، ثم الموصى له بما زاد على الثلث، ثم بيت المال. والمانع من الإرث: الرق والقتل واختلاف الملتين، واختلاف الدارين حكماً.
والسهام المفروضة في كتاب الله تعالى: الثمن والسدس، وتضعيفهما مرتين، فالثمن ذكره الله تعالى في فرض الزوجة، والربع في فرضها وفرض الزوج، والنصف في فرض الزوج والبنت والأخت، والسدس في فرض الأم والأب والواحد من ولد الأم، والثلث في فرض الأم والإخوة لأم، والثلثان للبنات والأخوات.
فصل في العصبات
وهم نوعان: عصبة بالنسب، وعصبة بالسبب. أما النسبية فثلاثة أنواع: عصبة بنفسه، وهو كل ذكر لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى وأقربهم جزء الميت، وهم بنوه ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم أصله وهو الأب، ثم الجد، ثم جزء أبيه، ثم بنوهم، ثم جزء جده، ثم بنوهم، ثم أعمام الأب، ثم بنوهم، ثم أعمام الجد، ثم بنوهم وهكذا. وعصبة بغيره، وهم أربع من النساء يصرن عصبةً بإخوتهن، فالبنات بالابن، وبنات الابن بابن الابن، والأخوات لأب وأم بأخيهن، والأخوات لأب بأخيهن.
وعصبة مع غيره، وهم الأخوات لأبوين أو لأب يصرن عصبةً مع البنات وبنات الابن.
وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة موالي أمهما، والمعتق عصبة بنفسه ثم عصبته على الترتيب وهو آخر العصبات.
فصل الحجب
ستة لا يحجبون أصلاً: الأب والابن والزوج والأم والبنت والزوجة، ومن عدا هؤلاء فالأقرب يحجب الأبعد، ومن يدلى بشخص لا يرث معه إلا أولاد الأم، والمحروم لا يحجب كالكافر والقاتل والرقيق، والمحجوب يحجب كالإخوة والأخوات يحجبهم الأب، ويحجبون الأم من الثلث إلى السدس، ويسقط بنو الأعيان بالابن وابنه وبالأب، وفي الجد خلاف، ويسقط بنو العلات بهم وبهؤلاء، ويسقط بنو الأخياف بالولد وولد الابن والأب والجد، وتسقط جميع الجدات بالأم، وتسقط الأبويات بالأب، والقربى تحجب البعدى وارثةً كانت أو محجوبةً.
فصل
العول: هو زيادة السهام على الفريضة فتعول المسألة إلى سهام الفريضة ويدخل النقصان عليهم بقدر حصصهم.
واعلم أن أصول المسائل سبعة: اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون. فأربعة منها لا تعول: الاثنان والثلاثة والأربعة والثمانية. وثلاثة تعول: الستة والاثنا عشر والأربعة والعشرون، فالستة تعول إلى عشرة وتراً وشفعاً، واثنا عشر تعول إلى
ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر، وأربعة وعشرون تعول إلى سبعة وعشرين لا غير.
والرد ضد العول، بأن تزيد الفريضة على السهام ولا عصبة هناك تستحقه فيرد على ذوي السهام بقدر سهامهم إلا على الزوجين، ويقع الرد على جنس واحد وعلى جنسين وعلى ثلاثة، ثم المسألة لا يخلو غما إن كان فيها من لا يرد عليه أو لم يكن، فإن لم يكن فإما إن كان جنساً واحداً أو أكثر، فإن كان جنساً واحداً فاجعل المسألة من عدد رءوسهم، وإن كان جنسين أو أكثر فمن سهامهم وأسقط الزائد.
وذوو الأرحام: كل قريب ليس بذي سهم ولا عصبة، وهم كالعصبات من انفرد منهم أخذ جميع المال، والأقرب يحجب الأبعد، وهم أولاد البنات، وأولاد بنات الابن، والجد الفاسد، والجدات الفاسدات، وأولاد الأخوات كلهن، وبنات الإخوة كلهم، وأولاد الإخوة لأم، والأخوال والخالات والأعمام لأم، والعمات وبنات الأعمام كلهم وأولاد هؤلاء ومن يدلى بهم، وأولاهم الصنف الأول ثم الصنف الثاني.
الغرقى والهدمى إذا لم يعلم أيهم مات أولاً، فمال كل واحد للأحياء من ورثته.
فصل
المجوسي لا يرث بالأنكحة الباطلة، وإذا اجتمع فيه قرابتان لو تفرقتا في شخصين ورثا بهما ورث بهما، والحمل يرث ويوقف نصيبه.
فصل
المناسخة: أن يموت بعض الورثة قبل القسمة. والأصل فيه أن تصحح فريضة الميت الأول وتصحح فريضة الميت الثاني، فإن انقسم نصيب الميت الثاني من فريضة الأول على ورثته فقد صحت المسألتان؛ وإن كان لا يستقيم، فإن كان بين سهامه ومسألته موافقة فاضرب وفق التصحيح الثاني في التصحيح الأول؛ وإن لم يكن بينهما موافقة فاضرب كل الثاني في الأول، فالحاصل مخرج المسألتين.
وطريق القسمة أن تضرب سهام ورثة الميت الأول في المضروب، وسهام ورثة الميت الثاني في كل ما في يده أو في وفقه، فإن مات ثالث فصحح المسألتين الأوليين، وانظر إلى سهام الثالث معهما إن كان منهما أو من أحدهما، فإن انقسمت على مسألته فقد صحت المسائل الثلاث، وإن لم تنقسم فاضرب مسألته أو وفقها فيما صحت منه الأوليان، فمن له شيء من الأولى والثانية مضروب في الثالثة أو في وفقها، ومن له شيء في الثالثة مضروب في سهام الميت الثالث أو في وفقها، وكذا إن مات رابع وخامس.
حساب الفرائض
اعلم أن الفروض نوعان: الأول النصف والربع والثمن. والثاني الثلث والثلثان والسدس، فالنصف من اثنين، والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة، والسدس والسدسان من ستة، فإذا اختلط النصف من النوع الأول بكل النوع الثاني أو ببعضه أو باثنين فهي من ستة، وإن اختلط الربع بالكل أو ببعضه فمن اثنى عشر، وإن اختلط الثمن كذلك فمن أربعة وعشرين؛ فإذا صحت الفريضة، فإن انقسمت سهام كل فريق عليه فلا حاجة للضرب، وإن انكسرت فاضرب عدد رءوس من انكسر عليه في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلةً فما خرج صحت منه المسألة، وإن وافق سهامهم عددهم فاضرب وفق عددهم في المسألة، وإن انكسرت على فريقين فاطلب الموافقة بين سهام كل فريق وعددهم ثم بين العددين، فإن كانا متماثلين فاضرب أحدهما في أصل المسألة، وإن كانا متداخلين فاضرب أكثرهما، وإن كانا متوافقين فاضرب وفق أحدهما في الآخر فما خرج في المسألة، وإن كانا متباينين فاضرب كل أحدهما في الآخر ثم المجموع في المسألة، وإن انكسر على ثلاث فرق أو أكثر فكذلك تطلب المشاركة أولاً بين السهام والأعداد، ثم بين الأعداد والأعداد، ثم افعل كما فعلت في الفريقين في المداخلة والمماثلة والموافقة والمباينة وما حصل من الضرب بين الفرق وسهامهم يسمى جزء السهم فاضربه في أصل المسألة.
فصل
وإذا كانت التركة دراهم أو دنانير وأردت أن تقسمها على سهام الورثة فاضرب سهام كل وارث من التصحيح في التركة ثم اقسم المبلغ على المسألة وإن كان بين التركة والتصحيح موافقة فاضرب سهام كل وارث من التصحيح في وفق التركة، ثم اقسم المبلغ على وفق التصحيح يخرج نصيب ذلك الوارث، وكذلك يقسم بين أرباب الديون فيجعل مجموع الديون كتصحيح المسألة، ويجعل كل دين كسهم وارث.
ومن صالح من الغرماء أو الورثة على شيء من التركة فاطرحه كأن لم يكن، ثم اقسم الباقي على سهام الباقين.
انتهى الكتاب بحمد الله وتوفيقه