Некий человек пришел к Посланнику Аллаха (мир ему и благословение), жалуясь на своего соседа, что он много вредит ему и причиняет ему неудобства. Пророк (мир ему и благословение) сказал: «Иди, потерпи».
Послушав Пророка (мир ему и благословение), человек решил всё же терпеть вред, который исходил от соседа, но тот ещё больше начал вредить. И когда человек пришел снова с жалобой на того же соседа, Пророк (мир ему и благословение) сказал: «Пойди и вытащи свое имущество на улицу». Тот вынес всё свое имущество на улицу и присел рядом с ним. И все мимо проходящие люди начали спрашивать его, в чём дело, а узнав, что это пришлось сделать из-за вредного соседа, ругали и проклинали его.
Когда услышал сосед об этом, то прибежал и начал умолять: «Не позорь меня, возвращайся домой, я больше не сделаю ничего плохого, только убери вещи с дороги!».
Пусть каждый из нас остерегается от нанесения вреда своему соседу, к этому нас призывает Всевышний Аллах, и Его Посланник (мир ему и благословение Аллаха). В одном изречении Пророка (мир ему и благословение) говорится: «Не уверует, клянусь Аллахом, не уверует, клянусь Аллахом, не уверует». Сподвижники спросили: «Кто, о Посланник Аллаха?» «Пророк (мир ему и благословение) ответил: «Тот человек, чей сосед не защищён от его вреда».
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه جاره ، وأخبره أنه يؤذيه و يسيء إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :»اذهب فاصبر.
فصبر الرجل ، وتحمل أذى جاره ، لكن الجار ازداد في إيذائه ، فعاد الرجل مرة ثانية يشكو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال له صلى الله عليه وسلم : » اذهب فاطرح متاعك ( ضع حاجاتك) على الطريق.
فأخرج الرجل حاجاته ومتاعه ووضعها في الطريق وجلس إلى جوارها.
وكان الناس كلما مروا على الرجل سألوه عن سبب جلوسه في الطريق ، فيخبرهم بما فعله جاره؛ فيلعن الناس هذا الجار.
ولما علم الجار بأن الناس يدعون عليه لأنه يؤذي جاره ، ذهب مسرعاً إلى الرجل واعتذر إليه، وتأسف له ، وعاهده ألا يؤذيه مرة ثانية قائلاً له : يا أخي ، ارجع إلى مترلك ، فإنك لن ترى ما تكره أبداً . أحمد.
فليحذر كل منا أن يؤذي جاره ؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : » والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، فقال الصحابة من يا رسول الله؟ لقد خاب وخسر فقال صلى الله عليه وسلم من لا يأمن بوائقه، وما بوئقه، قال صلى الله عليه وسلم: شره». متفق عليه.
ملخص الخطبة
1- تعريف الجار وبيان أنواعه. 2- أهمية الجار في الإسلام. 3- حقوق الجار.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون، ما منا إلا ويعيش بين الناس ويخالطهم، ولا غنى لأحد منا عن الناس من حوله؛ ولهذا فإن اقتراب الناس بهذه الصورة مظنّة لهضم الحقوق بينهم أو ظلم بعضهم لبعض، فتختلط الأموال، ويطغى أهل النفوذ والقوة على من لا نفوذ له ولا سلطان؛ لذلك جاءت الشريعة من لدن حكيم حميد، فأوجبت حقوقا شرعية يطالب بها أهل الإسلام، ويؤاخذون على منعها أو التقصير فيها، ومن تلك الحقوق حق الجوار.
والجار هو كل من جاورك سواء كان جواره لك في مسكن أو دكان أو عمل أو غيرها، واعلموا أن الجيران ثلاثة:
1- جار مسلم قريب، فهذا له ثلاثة حقوق: حق الإسلام، وحق القرابة، وحق الجوار.
2- وجار مسلم ليس بقريب، فهذا له حقان: حق الإسلام، وحق الجوار.
3- وجار كافر، أبقَت له الشريعة حقَّ الجوار.
وللجوار أهمية عظيمه في الدين يا عباد الله، وذلك لأنه أولا: وصية الله عز وجل ورسولِه، فقد أمر الله بالإحسان إلى الجار في نسق عشرة أوامر في كتابه، فقال تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ البخاري: «ذِي الْقُرْبَى: الْقَرِيبُ، وَالْجُنُب: الْغَرِيب، والْجَارُ الْجُنُبُ يَعْنِيك الصَّاحِبَ فِي السَّفَرِ». وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)) متفق عليه.
ثانيا: أن إساءة الجوار من عادات الجاهلية التي بعث الله نبيه لتغييرها، ويتضح هذا من جواب جعفر بن أبي طالب للنجاشي حين سأله عن هذا الدين الجديد، فقال له جعفر: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّة، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ؛ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَام ـ فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلام ـ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا. رواه أحمد.
ثالثا: أن الإحسان إلى الجار والقيام بحقه سبب للتفاضل بين الناس، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : ((خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره)) أخرجه الترمذي
رابعا: أن الإحسان إلى الجار والقيام بحقه سبب لمغفرة الذنوب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ)) رواه أحمد
خامسا: أن الإحسان إلى الجار والقيام بحقه سبب للثناء والمدح في الدنيا، وعكسه موجب للذم والعقوبه. ذكر ابن إسحاق أن حسان بن ثابت قال يهجو حيا من العرب غدروا بأصحاب النبيّ فقتلوهم على ماء يقال له الرجيع:
إن سرك الغدر صرفـا لا مزاج له فأت الرجيع فسل عن دار لحيان
قوم تواصـوا بأكل الْجـار بينهم فالكلب والقرد والإنسان مثلان
لو ينطق التيس يوما قـام يَخطُبهم وكان ذا شرف فيهم وذا شـان
سادسا: ومما يدل على أهمية حق الجار أن الله عظَّم الخطيئة في حق الجار، فعن الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: ((مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟)) قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُه،ُ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: ((لأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ))، قَالَ: فَقَالَ: ((مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟)) قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: ((لأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ)) أخرجه أحمد
سابعا: أن الجار الصالح من أسباب سعادة العبد، وعكسه من أسباب شقائه، فعن سلمان قال رسول الله : ((أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق))
عباد الله، إن الله جعل للجار حقوقا شرعية على جيرانه، فإذا قام بها المسلمون بينهم سادت روح الألفة والمحبة والتسامح، واكتملت في المجتمع المسلم صفاته المثالية التي تعلو المجتمع بصبغة إسلامية رائعة تميزه عن باقي المجتمعات. فمن حقوق الجار:
أولا: كف الأذى عنه، وهذا الحق واجب على المسلمين، فلا يجوز لهم بحال إيذاء أحد من الناس ما دام مسالما، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِي جَارَهُ)) رواه البخاري، وعَنْه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ((هِيَ فِي النَّارِ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ((هِيَ فِي الْجَنَّةِ)) أخرجه أحمد
ومن صور إيذاء الجار ـ عباد الله ـ حسده وتمني زوال النعمة عنه، أو السخرية به واحتقاره، أو إشاعة أخباره وأسراره بين الناس، أو الكذب عليه وتنفير الناس منه، أو تتبّع عثراته والفرح بزلاته، أو مضايقته في المسكن أو موقف السيارة، أو إلقاء الأذى عند بابه، أو التطلّع إلى عوراته ومحارمه، أو إزعاجه بالصراخ والأصوات المنكرة، أو إيذائه في أبنائه.
وأما من ابتلي بجار يؤذيه فعليه بالصبر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: ((اذْهَبْ فَاصْبِر))، فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَقَالَ: ((اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ))، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ. رواه أبو داود
لهذا ـ معاشر المسلمين ـ فإننا مأمورون بتحرّي حقوق جيراننا والقيام بها؛ لننال الفضل في الدنيا، وننجو من المؤاخذة في الآخرة.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه ، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن من حقوق الجار أيضا الحقّ الثاني: الإهداء إليه وبذل المعروف، فكم من هدية أوقعت في قلب المهدى إليه أثرا عظيما، فهي تقرب النفوس وتزيل الأحقاد وتبرهن على صدق المودة وعظيم المحبة، فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ فَقَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ)) رواه البخاري، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ)) رواه مسلم. فكان فيما بعد إذا طبخ لحما أكثر ماءه وأهدى إلى جيرانه ويقول: إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي: ((إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ)) رواه مسلم. وذُبح لعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)) رواه الترمذي. وسألت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ فقالت: إِنَّ لِي جَارَتيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: ((إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا)) رواه البخاري.
أيها المؤمنون، إن الهدية ليست فقط للجار الفقير المحتاج، بل الهدية أشمل من هذا، فقد أهدي للنبي مع أنه لو أراد المزيد من الرزق لدعا الله فأعطاه ما شاء من متاع الدنيا، بل كان يهدي للناس ويقبل الهدية، حتى إنه ليستغني بها هو وأزواجه أياما طويلة، بل أشهرا عديدة، فقد كانت عَائِشَة رضي الله عنها تَقُول لابن أختها: وَاللَّهِ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلالِ ثُمَّ الْهِلالِ ثُمَّ الْهِلالِ ثَلاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ نَارٌ، قَالَ: يَا خَالَةُ، فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟! قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَار، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ. متفق عليه
فهذه هي السنة في العطية للجار، وعدم منع المعروف عنه، وإلا صار خصما له يوم القيامة عند الملك العدل سبحانه، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد قول رسول الله : ((كم من جار متعلّق بجاره يوم القيامة يقول: يا رب، هذا أغلق بابه دوني، فمنع معروفه))
الحق الثالث: محبّة الخير له كما يحبها العبد لنفسه وعدم حسده، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ ـ أَوْ قَالَ: لأَخِيهِ ـ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) أخرجه مسلم.
الحق الرابع: مساعدته ماديا فيما يحتاج إليه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((لا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ))، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ للناس لما رأى من تقصيرهم في حقوق جيرانهم: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟! وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. رواه مسلم.
ولقد ضرب أصحاب رسول الله أروع الأمثلة في التعاون والمساعدة فيما بينهم، حتى استحقوا إطراء النبي لهم وثناءه عليهم، فقَالَ عليه الصلاة والسلام في الأشعريين: ((إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ)) متفق عليه.
الحق الخامس: الحفاظ على عوراته وعدم خيانته في أهله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)) رواه مسلم، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر قَالَ: سألت رَسُولُ اللَّهِ : أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَر؟ُ قَالَ: ((أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ))، قُلْت:ُ ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: ((ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ))، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: ((أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ))، قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ رواه البخاري.
الحق السادس: مواساته وعدم إضجاره وإحزانه، خاصة إذا كان كبير السن، قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/554): سمعت محمد بن حامد البزاز يقول: دخلنا على أبي حامد الأعمشي وهو عليل، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أنا بخير لولا هذا الجار، يعني أبا حامد الجلودي، دخل عليّ أمس وقد اشتدّت بي العلّة فقال: يا أبا حامد، علمت أن زنجويه مات، فقلتُ: رحمه الله، فقال: دخلت اليوم على المؤمل بن الحسن وهو في النزع، ثم قال أيضا: يا أبا حامد، كم عمرك؟ قلت: أنا في السادس والثمانين، فقال: إذًا أنت أكبر من أبيك يومَ مات، فقلت: أنا بحمد الله في عافية فعلت البارحة كذا، واليوم فعلت كذا وكذا، فخجل وقام.
كن في البلاد إذا ما الْجار جار بِها كالراح في الكاس لا تبقى على ميل
واجف الخليل وبادر بالرحيل وقل هذا الدواء الذي يشفـي من العلل
عباد الله، هذه بعض حقوق الجوار التي شرع الله للمسلمين فعلها، فلنبدأ من هذا اليوم بالإحسان إلى جيراننا والقيام بحقوقهم، ولنطرح الحقد والحسدَ جانبا، ولنُنَقِّ أنفسنا وضمائرنا من كلّ ما يكدّر صفو العلاقة مع جيراننا، ومن كان منا بينه وبين أحد من جيرانه نزاع أو خصومة فليُدخل بينها من جيرانه من يكون سببا في إصلاح ما فسد.
اللهم وفقنا لخيرِ الأعمال والأقوال لا يوفِّق لخيرها وأحسنها إلا أنت، وجنّبنا شرَّها لا يجنّب شرها إلا أنت.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين…
بسم الله الرحمن الرحيم
إكرام الجار
الشيء الذي يُلفتُ النّظر في الأحاديث النبوية الشريفة أنّ النبي عليه الصلاة والسلام ربَط الإيمان كلّهُ بإكرام الجار، بل نفى عن الذي لا يأمنُ جارهُ أذاه نفى عنه الإيمان! إذًا كم هي علاقة هذا الخلق بالإيمان؟ علاقةٌ وشيجة، بل هي علاقة ترابطيّة فلو أُلغِيَت هذه الفضيلة لأُلغيَ الإيمان .
حق الجار في القيم الإسلامية
للجار على الجار في القِيَم الإسلاميّة، وفي الآداب الشرعيّة حقوقٌ تُشبِهُ حقوق الأرحام، وهو الشيء الذي يلفتُ النظر، من هذه الحقوق المواصلة بالزيارة، والتهادي، أن يُهْدِيَ كلٌّ منهم الآخر هديّة تعبيرًا عن المودّة، والعيادة حين المرض، والمواساة حين المصيبة والمعونة حين الحاجة، وكفّ الأذى .
المعاشرة بالمعروف مع الجار
ماذا يفسّر العلماء كلمة: المعاشرة بالمعروف، مع الفارق طبعًا، ليْسَت المعاشرة بالمعروف أنْ تمْتَنِعَ أن إيقاع الأذى، بل المعاشرة بالمعروف تعني أن تحْتَمِلَ الأذى، وفرْقٌ كبير بين أن تمتَنِعَ عن إيقاع الأذى بالجار، وبين أن تحْتَمِل الأذى منه، احْتِمال الأذى المناصرة بالحق، النّصْح للجار، تَهْنِئَة الجار، تَعْزِيَة الجار، مشاركة الجار في المسرات والأفراح، مُواساتهُ في المصائب والأحزان.
عنوان رئيسي يتضمن عناوين فرعية :
حقّ الشُّفْعة، وحقّ الشّفعة عدَّه بعض العلماء حقًّا مُلزِمًا، أيْ إذا كنتَ تسْكن في بيتٍ، ولك جار في الطابقٍ نفسه، وأراد الجارٌ أن يبيعَ بيتهُ يجب أن يسألك قبل كلّ شيءٍ، فهو مُلزمٌ أن يبيعهُ لك بالسّعر الرائج فإذا باعهُ لِغَيرك يمكن أن تُقيم عليه دعْوى، والقاضي يُلزمُه بِفَسْخ البيع وبيْعِهِ لك، هذا هو حقّ الشّفعة في بعض المذاهب حقّ مُلْزم.
التواصل بالزيارة
لذا المواصلة بالزيارة، والتهادي، والعيادة، والمواساة، والمعونة، وكفّ الأذى واحتمال الأذى، والمناصرة بالحقّ، والتّهْنِئ ، والتّعزِيَة، والمشاركة في المسرات والأفراح والمواساة في المصائب والأحزان، وحقّ الشّفعة .
الشاهد في القرآن
في القرآن الكريم آيةٌ دقيقة ، يقول الله جلّ جلاله :
﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾
[ سورة النساء الآية: 36]
الجار ذي القربى، والجار الجنب
مَوْطن الشاهد؛ والجار ذي القربى، وقد انقسمَ المفسّرون في تفسير والجار ذي القربى والجار الجنب إلى فريقين؛ الفريق الأوّل فَهِمَ الجار ذا القربى هو الجار الأقرب والقريب الملاصق، الآن الأبنيَة الحديثة في مستوى واحد، أنت في شقّة، وهو في شقّة، هذا هو الجار الأقرب، والجار ذي القربى، وأما الجار الجنب فهو الذي جانبَكَ، أيْ ابْتَعَدَ عنك وفي حديث سيَرِدُ بعد قليل :
((إن أربعين دارًا شرقًا كلّهم جيرانك ))
موقع الجار وسكنه
وقد نضيفُ وأربعين فوقًا، وهذا في الأبْنِيَة الشاهقة، وفي بعض البلدان وأربعين تحتًا، ستّ جهات كلّهم جوار، الاتِّجاه الآخر في معنى الجار ذي القربى، والجار الجُنُب الجار القريب نسبًا، والجار الجُنب؛ الجار غير القريب نسبًا، جارٌ وجار أقرب هو المعنى الأوّل، المعنى الثاني جارٌ قريبٌ نسبًا، وجارٌ لا يمدّ لك بِنَسبٍ، على كلٍّ الله جلّ جلاله والنبي عليه الصلاة والسلام أوصى بالجار عُمومًا، وخصّ الجار المسلم والجار القريب بِميزَتَين، فإذا كان لكل جارٍ حقّ عليه، فللجار المسلم حقّان؛ حقّ الجِوار وحقّ الإسلام والجار المسلم القريب ثلاثة حُقوق؛ حقّ الجار، وحق الإسلام، وحقّ القرابة .
من السنة المطهرة:
في السنّة النبويّة المطهّرة حديث عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ))
[ رواه البخاري]
علاقات الإرث هي علاقات القرابة
علاقات الإرث هي علاقات القرابة فقط، والنبي صلى الله عليه وسلم يعطيه حقاً يقترب من حق القرابة، أغلبُ الظّن أنّ القريب تراه في الأسبوع مرّة ، وهناك قريب تراه في الشّهر مرّة، ومعظم الأقارب تراه في العام مرّة؛ في العيد فقط، لكنّ الجار تراه كلّ يومٍ عشر مرّات، خمسين مرّة، فالجار دائمًا أنت وإيّاه في مكان واحد.
رجل جاء سيدنا عمر
لذلك لمّا جاء عمرَ بن الخطاب رجلٌ وسألهُ: هل يعرفُك أحد ؟ قال: نعم ، فلان يعرفني، فقال: ائتني به، فلما جاء به، قال له: هل تعرفهُ ؟ فقال: نعم، قال : هل جاورْتَهُ ؟ قال لا، قال: هل سافرتَ معه ؟ قال: لا ، قال: هل حاككْتَهُ بالدّرْهم والدِّينار؟ قال: لا ، فقال عمر : أنت لا تعرفهُ.
الجار يعرف عن جاره حق المعرفة
لذلك من الذي يعرفُك حقّ المعرفة؟ جارُك، لأنّهُ مطّلِعٌ عليك، في مَدْخلك ومخرجك ، وفي شأنك كلّه ، لذلك :
(( مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ))
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
نفي الإيمان
(( وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ))
[رواه البخاري ]
معنى البوائق
شيءٌ مُخيف، نفى عنه الإيمان كليَّةً بِقَسَمٍ وتَكرار، القسَم مؤَكِّد، والتَّكْرار مُؤَكِّد والبوائق جمْعُ بائقة، الشرور والغوائل ، وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))
[رواه مسلم ]
وضوح منهج الإسلام
كلُّ الذي أُريدُه أنْ يكون واضحاً أن الإسلام أخلاق، الإسلام قِيَم، الإسلام مُثُل الإسلام الْتِزام، والبخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ))
[متفق عليه ]
من كان يؤمن بالله:
يعني من لوازم الإيمان بالله تعالى، وباليوم الآخر، إكرام الجار، وإكرام الضَّيف والتّكلم بالحق، والسّكوت عن الباطل، هذه أساسيّات أخلاق المسلم .
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ))
[رواه مسلم]
الإحسان إلى الجار
كُنَّا في كفّ الأذى، وفي النّهي عن الأذى، وفي أن يأْمَنَ جارُه بوائقهُ، والآن إذا كنتَ مؤمنًا بالله واليوم الآخر عليك أن تُحْسِن إلى جارك، كنّا في المواقف السَّلْبيّة؛ عدم الأذى وعدم الإقلاق، عدم الإزعاج، والآن في المواقف الإيجابية: الإحْسان .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ))
[رواه الترمذي]
صاحبان، صديقان، شريكان، جاران، خيرُ الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه إذا فقْتَهُ بالإحسان فأنت أفضلُ منه، إذا فقْتَهُ في الانضباط فأنت أفضلُ منه، إذا فقْتَهُ في العفو فأنت خير منه،
(( خَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ))
الحديث عن أقوال النبي
نحن نتحدّث عن أقوال النبي عليه الصلاة والسلام نطْربُ لها، والله الذي لا إله إلا هو، لو طبَّق أحدهم بعض هذه الأحاديث لطربَ حينما يطبّقها، وحينما يشعر أنَّه وفق السنّة لقطَفَ ثِمارها، شتّان إذا تخيَّلْت جارًا محسنًا لجاره شعَرْتَ بِنَشْوَة، فكيف إذا أحْسنْتَ فِعلاً؟ المَوْقف العملي أبلغُ بِكَثير من أيّ مَوْقفٍ نظري .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
تهادي الطعام بين الجيران يكثر المودة
((يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ))
[ رواه مسلم]
هذه سنّة؛ أنْ يتهادى الجيران بعض الطّعام، وهذه تَزيدُ المودّة مودَّةً، وتزيدُ العلاقة متانةً ، تزيدُ الأخوّة أخوَّةً ، تزيدُ الحبّ حبًّا.
((يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ))
قد تقَدِّمُ شيئًا لا يُذْكَر، لكن له معنى كبير .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
((يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ))
[ رواه البخاري]
لا تحْقرنّ هديَّة تقدِّمها لجارتها ولو فرْسنَ شاة، وفرْسَن الشاة هو ظفرها أعليهِ لحْمٌ؟ لا، هذا إذا كنت أيّتها الجارة لا تمْلكينَ غيره، قدِّميهِ لجارتك طبعًا ليس المَقصود تقديم ظفْر شاة ، بل المقصود عدم الاسْتِحياء من إعطاء القليل، فإنّ الحِرْمان أقلّ منه .
السماح للجيران ببعض التصرفات إن كانت لا تؤذي
والنبي عليه الصلاة والسلام يأمرنا أن نأْذَنَ لِجِيراننا أن يستخدموا بعض حِيطان بيوتنا، وليس المقصود الآن حائط البيت، فالبيوت فيما مضى كانت متراكبة، فقد يحتاجُ الجار أن يضعَ خشبةً على حائط جاره، لكن المقصود أن تبْذلَ له بعض المعونة، وتسْمَحَ له بِبَعض التّصرفّات إن كانت تنْفعُهُ، ولا تؤذيك، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ))
[ متفق عليه]
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ :
تقبل الدعوة من الجار الأقرب
(( إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا))
[ رواه البخاري]
إذا دُعِيَت إلى دَعْوَتَين، فأنت ينبغي أن تؤدّي الأولى زمنًا، المؤمن يُلبّي الأولى إذا أردت أن تهدي جارًا فالأقرب إليك .
حق الجار في البيع والشراء
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ))
[رواه أحمد]
أي لا يَبِعْ حقّه في الشِّرْكة أو حقّه في البيت إذا كان له جارٌ حتى يستأذن جارهُ أو شريكه وهذا لَعَمْري لَمِن أدقّ الحقوق التي بيّنها النبي عليه الصلاة والسلام .
الجار في نظر الإسلام
الجار في نَظَر الإسلام مُعين، ناصِر، حارِس، أمين، يُطْعمُكَ إذا جُعْت يُهْدي إليك من طبْخه، ولو لم تكُن جائعًا، يُشارك في الأفراح والأتراح، يُواسي ويُعزِّي في المصائب والأحزان، يُرْشِد، وينصَح، يتعاوَن معك على البرّ والتقوى، يعودُك إذا مرِضْت، يزورُك زيارة الأخوّة الخالصَة يحْفظُك في أهلك وذريّتِكَ، لا يخونك في مالٍ ولا أهلٍ ولا ولد
أخلاق الجار السيئة
كَمْ مِن رجلٍ هَجَرَ بيتهُ ضجرًا من جارهِ ؟ وكم من بيْتٍ بيعَ بنِصْف ثمنهِ ؟ فِرارًا من الجار ذي الأخلاق السيّئة.
قصة عبد القادر الجزائري مع جاره
كان في الشام أمير اسمهُ عبد القادر الجزائري، كان رجلاً عظيمًا، كان له جارٌ ضاقَتْ به الدني، واضْطرّ إلى بيْعِ بيْتِهِ فعَرَضَهُ للبيْع فَدُفِعَ له ثمنٌ بخْس، فانْفَعَل وقال: والله لا أبيعُ جِوارَ الأمير بهذا المَبْلغ، هناك مَنْ أوْصَلَ هذا الخبَر إلى هذا الأمير، فاسْتَدْعى جارهُ وأعطاهُ المبلغ كلّه، وقال: ابْقَ جارًا لي !! إنَّك لا تبيعُ جيرتي بهذا المبلغ، وأنا لا أبيعُك أبدًا .
العيش مع جيران أفاضل
من سعادة المرء أن يعيشَ مع جيرانٍ أفاضل، من مُتَع الحياة الدنيا أن تطمئنّ إلى أنّ الذي إلى جانبك، والذي فوقك، والذي تحتك، يحبّك وتحبّه، يحفظ حرمتَكَ، وتحفظُ حرمتهُ، تحرصُ مالهُ، وتحرصُ ماله، ويتفقّد أهلك، وتتفقّد أهلهُ في غيبَته، نحن نتذوّق القِيَم الإسلاميّة نظريًا، ولكن والله لو عِشناها لشَعَرنا بِسَعادةٍ لا توصَف، على الوصْف نسْعَد بسماعها، فكيف إذا عِشْناها؟ كيف إذا عِشْنا هذه القِيَم؟ وكيف إذا كُنّا كما أراد النبي؟ كيف إذا كُنّا كما وجّهنا النبي عليه الصلاة والسلام؟.
الحرص على مال وعرض الجار
يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
((مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ قَالُوا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِه: لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ، قَالَ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ قَالَ: لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ))
[رواه أحمد ]
علامة المؤمن أنه أمين
عرّف النبي المؤمن بأنّ نفسهُ في غَناء، والناس منه في راحة، هو الإنسان حينما ينحرف، حينما يأخذ ما ليس له يُصبحُ مع نفسهِ في حرْب وهذه هي الفِطرة، فطرتهُ سليمة فإذا حادَ عن مبادئها شعَرَ بِتَأنيب الضّمير، وشعر بما يُسمّى بِعُقدة الذّنب، دائمًا في حرْبٍ مع نفسهِ، فالمؤمن من صفاته أنَّه في غَناءٍ مع نفسه، والناس منه في راحة، أيْ علامة المؤمن أنّ الناسَ يأمنونه، ولا يقْلقون منه، لا تأتيهم منه مُقلقات رجلٌ سلام، رجل محبّة، رجل عطاء رجل مسامحة، رجل عفْو، لذلك علامة المؤمن أنّ الناسَ يأمنونه، وعلامة المسلم أنّ المسلمون يسْلمون من يده ولسانه، السلامة غير الأمْن، قد تُسالِم فلانً، ولا تؤذِيهِ، ولكنّه يخافُ منك لكنّ علامة الإيمان مرتبةٌ فوق السّلامة، المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده، ولكنّ المؤمن مَنْ أمِنَه الناس على أموالهم، وعلى أعراضهم، عُنْصُرُ الأمْن أبلَغ من عُنْصُر السّلامة قد تقعُ فريسة القلق وأنت في سلامة، قد تعيشُ طول حياتك من الأمراض، لكنّك تخاف بعض الأمراض، أنت من خوف المصيبة في مصيبة، الناس قد يسْلمون ولا يأْمَنُون، لكن علامة الإيمان أنّ الناس يأْمَنُونك، لا يسْلمون منك، إذا قال قائلٌ: أنا جاوَرْتُ فلانًا ثلاثين سنة فلَمْ يُقْلِقني إطلاقًا، إذًا سلِمُوا منك، ولكنّ المؤمن لا يُمكن أن يتوقّع منك الإزعاج، فرْقٌ كبير بين السلامة والأمْن، المسلم لا يؤذي، لكنّ المؤمن يعتقدُ الناس اعتقادًا جازمًا أنَّه لا يمكن أن يؤذي ليس هذا من شأنه، ولا من طبيعته، وهذا معنى تقول فلان لمْ يسْرق، وفلان ما كان له أن يسرق ، في العبارة الأولى نفَيْتَ الحَدَث ، لكن في العبارة الثانيَة نفيْتَ الشّأن كلّه .
الجار إلى أربعين جهة
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ أَوْ قَالَ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))
[ رواه مسلم]
ألا إنّ أربعين دارًا جارًا، أربعون جارًا من أربع جِهات، وهناك عشرة نحو الأعلى، أو أقلّ من ذلك، هؤلاء كلّهم جيرانك، وأنت مُطالبٌ أن تُحسِن إليهم، وأنْ تكفّ الأذى عنهم، وأن تحْتَمِلَ أذاهم، وأن تُحْسِنَ إليهم، إذا كنتَ كذلك فنحن في بَحْبوحة، ونحن في خير والله في عَوْن العبد ما دام العبد في عون أخيه .
أذية الجار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من آذى جاره فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن حارب جاره فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله ))
[رواه أبو نعيم ]
لأنّك أنت حينما تؤذي الجار أنت تُسْقِطُ عباداتك كلّها، وتؤكّد للناس أنّ الدِّين كلامٌ فارغ، وأنّ الدّين رابطةٌ واهيَة، الدِّينُ معاملة، الدِّين تَضْحيَة، الدِّين أمانة .
ما قولكم بهذا الحديث الشريف، أخرج الطبراني من حديث ابن عمر قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزاة فقال :
(( لا يصحبنا اليوم من آذى جاره))
[ رواه الطبراني]
كي نقطف ثِمار الإسلام، بادِرْ أنت، اقْطَع لسان جارك، كيف تقْطعْهُ؟ بالإحسان إليه، بادِرْ أنت السيّئ بالإحسان يصبحُ صالحًا فالسيّئ إذا أحْسنْتَ إليه حجَّمْتَهُ، حجَّمته وأربكْتهُ وأسْكَنْتَ لِسانهُ .
سؤال النبي عن حق الجار
سأل النبي عليه الصلاة فقال: أتَدْرون ما حقّ الجار؟ قال: إذا استعان بك أعنته وإذا اسْتنْصرَك نصرْتهُ، وإن مرضَ عُدْتهُ، وإن أصابهُ خيرٌ هنَّأتهُ، وإن أصابتهُ مصيبةٌ عزَّيْتهُ وإن مات شيَّعْتهُ، ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجُب عنه الرّيح إلا بإذنه، وإن اشْتريْتَ فاكهةً فأهْدِ له منها، فإن لم تفعل فأدْخِلها سرًّا . ماذا يُقاس على هذا التوجيه؟ إذا أرسلْت مع ابنك إلى المدرسة فاكهة غاليَة الثّمن أو نادرة، أو قِطع من الحلويّات غاليَة جدًّا، وأكلها أمام زملائِهِ الفقراء، هذا يدخلُ في هذا التوجيه، فإذا اشْتريْتَ فاكهةً فأهْدِ له منها، فإن لم تفعل فأدْخِلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك لِيَغيضَ ولدهُ، ولا تؤْذِهِ بِقُتار قدرك، إلا أن تغرف له منها .
إسقاط الاعتبار الاجتماعي
هناك عِلاج ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، مرَّةً حدّثني رجل كان مقيماً في بلدٍ غربي، في هذا البلد الذي يرتكبُ مخالفةً في البيع والشّراء يُعاقبُ بالطريقة التاليَة: يوضَعُ له على باب محلّه التّجاري لَوْحة كبيرة بِحُروفٍ بارزةٍ وضّاءة أنّ هذا البائع يغشّ زبائنهُ، لا يُطالب بِغَرامات ماليّة، ولا يُغلقُ محلّه، ولا يُساق إلى السِّجن، إنّما: يوضَعُ له على باب محلّه التّجاري لَوْحة كبيرة بِحُروفٍ بارزةٍ وضّاءة أنّ هذا البائع يغشّ زبائنهُ !! هذا اسمهُ إسقاط الاعتبار الاجتماعي .
المبالغة في الإساءة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَاصْبِرْ فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ :
(( اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ، فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ، وَفَعَلَ وَفَعَلْ ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ))
[ رواه أبو داود]
معنى ذلك أنّ الإنسان يعيشُ بِسُمعته، ويعيشُ بِكَرامته، يعيشُ بِثَناء الناس عليه فحينما بالغ هذا الجار بالإساءة إلى جاره، النبي عليه الصلاة والسلام أهْدَرَ كرامته، هذا لا كرامة له، ولا غيبة له، اُذْكر ما يفعلهُ لِيَحذر الناس منه .
قيمة العمل بالإحسان
الحديث الشريف، عن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لا خير فيها، هي من أهل النار، قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتصدق بأثوار، ولا تؤذي أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي من أهل الجنة))
[ رواه البيهقي]
معنى ذلك أنّ الدّين معاملة، ولا قيمة لصلاتها الكثيرة، ولا قيمة لِصِيامها الكثير، ولا قيمة لِصَدقتها، إنما القيمة بالإحسان .
الجار المسيء، والجار المحسن
حديث آخر:
(( إنّ فلانة تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها، فقال: هي في النار))
هذه المرأة التي تبْدو مسلمة من حجابها، من سُبحتها، ولكنّها تكيد، وتفعَل وتفرّق بين الأحبّة، وتنمّ وتغْتاب، وتؤذي الناس، وتكيد لهم حجابها، وصيامها، وصلاتها وصدقتها ، وأورادها لا ينْفعانها من الله شيئًا .
قالوا إنّ فلانة — بالعكس — تصلّي المكتوبات فقط، وتصدّق بالأُقط، ولا تؤذي جيرانها قال: هي في الجنّة» الأقْط اللّبن سُحب خيره وجفّف .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال
(( ألا أخبركم بالثلاث الفواقر؟ قيل: وما هن؟ قال: إمام جائر، إن أحسنت لم يشكر، وإن أسأت لم يغفر، وجار سوء، إن رأى حسنة غطاها، وإن رأى سيئة أفشاها وامرأة السوء إن شهدتها غاظتك، وإن غبت عنها خانتك ))
[رواه ابن أبي شيبة ]
الفاقرة هي عظم الظهر
الفواقر جمع فاقرة، أو فِقْرة عَظْمة الظّهر، أيْ ثلاثة يحطِّمْن عظيمات الظّهر أيْ يقصِمن الظّهر .
لا يؤمن من بات جاره جائع وهو شبعان
وعن أنس رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
(( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه ، وهو يعلم به))
[رواه البزار]
وهذا الحديث ينفي عن المسلم الإيمان إذا لم يساعد جاره فكيف إذا أوقع فيه الأذى، وإذا قلتَ لا أعلم أقول لك: من لم يتفقَّد شؤون من حوله فليس مؤمناً .
يسأل الجار عن جاره يوم القيامة
وكم من جارٍ متعلّق بِجاره يوم القيامة، يقول: يا ربّ، سلْ هذا لما أغلق عنّي داره، ومنعني فضلهُ؟ بل إنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذُبِحَت له ذبيحة، فقال: هل أهْدَيتُم لِجارنا، وكان جارهُ ليس مسلماً، معنى ذلك أيّ جارٍ يجبُ أن تُحسنَ إليه، ولو لم يكن مسلمًا، وهذا حديث صحيح أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلّم .
الجار قبل الدار.. مقولة شائعة بين الناس، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار، والجار الصالح من السعادة.
فضل الإحسان إلى الجار في الإسلام :
لقد عظَّم الإسلام حق الجار، وظل جبريل عليه السلام يوصي نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه». وقد أوصى القرآن بالإحسان إلى الجار: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)[النساء:36].
وانظر كيف حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الجار وإكرامه: «…ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره». وعند مسلم: «فليحسن إلى جاره».
بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه».
والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره».
من هو الجار؟
الجار هو مَن جاورك، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا، وأما حد الجوار فقد تعددت أقوال أهل العلم في بيان ذلك الحد، ولعل الأقرب – والعلم عند الله – أن ما تعارف عليه الناس أنه يدخل في حدود الجوار فهو الجار. والجيران يتفاوتون من حيث مراتبهم،فهناك الجار المسلم ذو الرحم ، وهناك الجار المسلم ، والجار الكافر ذو الرحم ،والجار الكافر الذي ليس برحم ،وهؤلاء جميعا يشتركون في كثير من الحقوق ويختص بعضهم بمزيد منها بحسب حاله ورتبته.
من صور الجوار:
يظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن، ولا ريب أن هذه الصورة هي واحدة من أعظم صور الجوار، لكن لا شك أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل، والسوق، والمزرعة، ومقعد الدراسة،… وغير ذلك من صور الجوار.
من حقوق الجار:
لا شك أن الجار له حقوق كثيرة نشير إلى بعضها، فمن أهم هذه الحقوق:
1- رد السلام وإجابة الدعوة:
وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا أنها تتأكد في حق الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة.
2- كف الأذى عنه:
نعم فهذا الحق من أعظم حقوق الجيران، والأذى وإن كان حرامًا بصفة عامة فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهًا إلى الجار، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الجار أشد التحذير وتنوعت أساليبه في ذلك، واقرأ معي هذه الأحاديث التي خرجت من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم:
· «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه».
· ولما قيل له: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها. قال: «لا خير فيها، هي في النار».
«لا يدخل الجنة مَن لا يأمن جاره بوائقه».
· وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره. فقال: «اطرح متاعك في الطريق». ففعل؛ وجعل الناس يمرون به ويسألونه. فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار. فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه. فقال صلى الله عليه وسلم: «فقد لعنك الله قبل الناس».
3- تحمل أذى الجار:
وإنها والله لواحدة من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)[المؤمنون:96]. ويقول الله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)[الشورى:43]. وقد ورد عن الحسن – رحمه الله – قوله: ليس حُسْنُ الجوار كفّ الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى.
4- تفقده وقضاء حوائجه:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم». وإن الصالحين كانوا يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول.
ولما ذبح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شاة قال لغلامه: إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي. وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منكِ بابًا».
5- ستره وصيانة عرضه:
وإن هذه لمن أوكد الحقوق، فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46].
وقد كان العرب يفخرون بصيانتهم أعراض الجيران حتى في الجاهلية، يقول عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي.. … ..حتى يواري جارتي مأواها
وأما في الإسلام فيقول أحدهم:
ما ضـر جاري إذ أجاوره ألا يـكــون لبـيـته ســــتـر
أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الخدر
وأخيرًا فإننا نؤكد على أن سعادة المجتمع وترابطه وشيوع المحبة بين أبنائه لا تتم إلا بالقيام بهذه الحقوق وغيرها مما جاءت به الشريعة، وإن واقع كثير من الناس ليشهد بقصور شديد في هذا الجانب حتى إن الجار قد لا يعرف اسم جاره الملاصق له في السكن، وحتى إن بعضهم ليغصب حق جاره، وإن بعضهم ليخون جاره ويعبث بعرضه وحريمه، وهذا والله من أكبر الكبائر. سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ «. عدَّ من الذنوب العظام: «أن تزاني حليلة جارك».
نسأل الله أن يعيننا والمسلمين على القيام بحقوق الجوار.. وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكر الله تعالى لنا الحسد فى القرآن الكريم وأمرنا الله تعالى ان نستعيذ به من شر الحاسد . قال تعالى:” وَمِن شَر حاسد إِذَا حسد“سورة الفلق اى نعوذ بالله من شر تلك القوى الخفية التى تصيب الانسان بالضرر والتى تملأ القلوب بالحقد وبما ان الحسد فيه عدم الرضا بقضاء الله,وعدم الرضا بما قسمه الله تعالى لعبده وعدم الرضا بأقدار الله فى كونه وان الله قد وزع على الناس النعم بالعدل,فهذا أعطاه نعمة الصحة وهذا أعطاه نعمة الذكاء وهذا أعطاه نعمة المال;فإن الحسد منافي للإيمان تعريف الحسد الحسد فى اللغة: هو تمنى زوال النعمة من الغير أما فى الشرع فيقول الإمام النووى:واعلم ان الحسد يطلق على تمنى زوال النعمة من الغير وكذلك على تمنى اصطحاب عدم النعمة ودوام ما فى الغير من نقص أو فقر أو نحوه والإطلاق الأول هو الشائع والحسد بالإطلاقين ممقوت عند الله تعالى وعند عباده آت من باب الكبائر على ما اشتهر بينهم. لكن التحقيق – والكلام ما زال للإمام النووى – ان الحسد الغريزى الجبلى اذا لم يعمل بمقتضاه من الإذى مطلقاً بل عامل المتصف به أخاه بما يحب الله تعالى مجاهداً نفسه لا إثم فيه بل يثاب صاحبه على جهاد نفسه وحسن معاملته أخاه ثواباً عظيماً لما فى ذلك من مشقة مخالفة الطبع كما لايخفى” بعض أمثلة الحسد فى القرآن قال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إِيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تَبين لَهم الحق)سورة البقرة فكأن اليهود يحسدون المسلمين على دينهم .. وهذا الحسد من عند أنفسهم لا تقره التوراة ولا كتبهم .. وقوله سبحانه: “من بعد ما تبين لهم أنه الحق” .. أي بعد ما تأكدوا من التوراة من شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه النبي الخاتم قال تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء . .)سورة النساء قال تعالى : (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها . . . )سورة آل عمران قال تعالى : ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما اُوتوا قال تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله الغبطة ذكر أهل العلم من المفسرين وغيرهم فى معنى الغبطة ما يلى الغبطة: ان تتمنى ان يكون لك مثل ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره. وقد يجوز ان يسمى هذه منافسة ومنه قوله تعالى:” ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”سورة المطففين وقد ورد ذكر ذلك فى الحسد بمعنى الغبطة فى السنة النبوية الشريفة عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول:”لا حسد إلا على اثنتين,رجل آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل ورجل أعطاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل وأناء النهار”رواه بخاري عن أبى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لا حسد إلا فى اثنتين . رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جارٌ له فقال: ليتنى اوتيت مثل ما اُوتى فلان فعملت بمثل عمله.. ورجل آتاهه الله مالاً فهو يهلكه فى الحق فقال رجل: ليتنى اُوتيت مثل ما اوتى فلان فعملت مثلما يعمل..”رواه بخاري والمنافسة قد تكون واجبة ومباحة أما الواجبة إذا كانت تلك النعمة نعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة فهنا يجب علليه ان يكون كذلك لانه لو لم يحب المنافسة على الواجبات لكان راضياً بالمعاصى ويكون بذلك واقعاً فى الحرام والمندوبة إذا كانت النعمة من فضائل المندوبة كالإنفاق فى سبيل الله وتعليم الناس والمباحة إذا كانت النعمة من المباحات الحسد مرض نفسى يؤذى الحاسد وضرره على الحاسد أكبر من ضرره على المحسود غالباً. لذلك امرنا الله تعالى ان نتحصن ونستعيذ به من شر الحاسد ذم الحسد روى الإمام مسلم عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لا تباغضو ولا تحاسدو ولا تجسسوا ولا تحسسو ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخواناً وورد عن عوف بن عبد الله – وهو من كبار السلف – قال لأحد الاُمراء – الفضل بن المهلب -:”انى اريد ان أعظك بشئ : إياك والكبر فإنه أول ذنب عصى اللهَ به ابليسُ وإياك والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة وإياك والحسد فإنه قتل ابن آدم أخاه حين حسده ثم قرأ:” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ” سورة المائدة
Да если бы мусульмане относились ко всем людям так как приказывает Ислам то давно бы все были бы мусульманами.